كتبت_إيمان زهران
الحرية هي ذلك المذهب الفكرى والنفسى والاخلاقى الذى يعلى من الإرادة الفردية التى تختار الفعل وتميزه عن روية وتدبر مع إمكان عدم اختيار الفعل أو القدرة على اختيار نقيض. ليس هذا وفقط؛ بل أن الحرية هى تلك "الحاله" الشعورية الرائعة التى تتملك الانسان باتخاذة قرارات ذاتية نابعة من دواخل افكارة معبرة عن كينونتة الذاتية.
العديد من الفلاسفة سعوا للتنظير بمختلف أوجه "سياسية– اقتصادية – اجتماعية" لقضية الحرية استنادا لمعايير التطور والحتمية بداية من الحقبة اليونانية وطاليس وافلاطون مرورا بالمدارس الأبيقورية والرواقية بأشهر فلاسفتها هوارس وديدرو؛ كذلك فلاسفة العصور الوسطى وعصر التنوير وصولا إلى روسو فى العصر الحديث والذى يُعد من أكثر الفلاسفة تناولا لفكرة الحرية واخيرا الاتجاة المعاصر ونشر أفكار بيكون وهيوم واسبينوزا وكانط عن الحرية. فالحرية فى المجمل العام لمختلف المذاهب هو الإحساس وشعور اكثر من كونها مجرد افكار تطرح وتنظر.
بينما الفكر الثيولوجى هو ذلك الفكر النابع من البحث فى هوية وتعاليم الاديان وما بعد التصور الملموس. فالثيولوجيا تهتم بالعلوم السماوية والروحانية فى مجملها وتحليلها لكل اشكالية فانية فى العالم الحسى.
اندماج المعارف مع القضايا النسوية يمثل اسهاما جديد فى الشأن النسوى خاصة حينما يتعلق ذلك الشأن بأخطر القضايا التى تتقابل مع قضايا المرأة وهى الحرية بمفهومها الشامل والدين بمفهومة المنغلق لمفسرية.
بداية ؛ يعرف الفكر النسوى بأنه كل جهد نظري أو عملي يهدف إلى مراجعة واستجواب أو نقد أو تعديل النظام السائد في البنيات الاجتماعية، الذي يجعل الرجل هو المركز، هو الإنسان، والمرأة جنساً ثانياً أو "آخر" في منزلة أدنى؛ وهو التوجه القائم على التضاد مع الخلفية الغربية المتعلقة بـ " النظام الابوى البطريركى " وسلطاتة المطلقة بمشروعية دينية سماوية. ومن هنا جاءت العلاقة ما بين التفكير الثيولوجى والفكر النسوى وايجاد مساحات مشتركة.
الثيولوجية الدينية غالبا ما تسعى لوضع ترتيبات هيراركية تمنح من خلالها الافضلية فى درجات الحرية سواء " الاجتماعية – الاقتصادية – وحديثا السياسية " استنادا الى الخلفية المعرفية الاسلامية او المسيحية او اليهودية.
عند النظر الى الثيولوجية اليهودية ونظرتها التوراتية لمفهوم الحرية بشكل مجرد ومطلق نجد انها تخسف بحرية المرأة بل وبمكانتها ودورها وذلك من خلال ترتيب هيراركى تأتي المرأة بعد الرجل وأدنى منه. فقد خُلقت المرأة، كما تقول التوراة من جسد الرجل لذا تؤول له القوامة والسلطة ؛ وفى ظل الهرمية التراتبية، كلما صعد الشيء إلى أعلى كلما اقترب أكثر مما هو روحي وعلوي. إضافة الى هدم حرية المرأة بل وحصرها تحت بند " الوصاية " فهى قبل الزواج تحت وصاية ابيها او اخيها وما بعد الزواج تنقل وصايتها لزوجها وكأنها سلعة دون النظر الى كينونتها الانسانية . بالاضافة الى حرمانها من الميراث فى حالة وجود اخ لها او فان لم يكلن لها أخ و آل إليها الميراث قيدت بحظر الزواج من سبط آخر خشية انتقال الميراث إلى أسرة أخرى وهو ما يتنافى مع معايير الحرية بشكل عام.
الثيولوجية المسيحية تتمثل فى نصوصها الالهية عدالة من الله واحترام لكينونة ولحرية المرأة ومكانتها لكن من ناحية التطبيق الانسانى لنصوص الشرائع فلم تحظى حرية المرأة بمساحة اوسع عن نظيرتها فى اليهودية ؛خاصة مع اعلان الكنيسة ان المرأة ينبوع المعاصى واصل الفجور ومن ثم أوجب تحجيمها بقوانين ابوية وسلطوية صارمة تلغى حقوقها وتقمع حريتها فى مقابل سعيها الدائم للتكفير المتواصل عن خطاياها . فلقد جاء فى الإصحاح الحادى عشر من كتاب كورنثوس الثانى: "ولكني أخاف كما خدعت الحيَّة حوَّاء بمكرِها، هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح" .كذلك ما ذكرة د/ احمد شلبى فى كتابة " مقارنة الاديان" نقلا عن الكاتب الدانمركى ويزكانذر حول ان الاهتمام بالمرأة فى العصور الوسطى محدودا للغاية الى درجة الانعدام نظرا لان المذهب الكاثوليكى كان يعد المرأة فى المرتبة الثانية؛ فى اشارة الى التحقير من المرأة ومطالبها بل ووجودها بصفة عامة .
بالنظر للثيولوجية الإسلامية لم تتختلف الفكرة العامة؛ فنصوص الشريعة الاسلامية تعزز مكانة المرأة وتحفظ حقوقها وحريتها؛ لكن التطبيق الخاطئ والتفسير الهوجائى تبعا للأهواء من بعض الشيوخ بصيغة متطرفة تحقر من وضع المراة وتلغى حقوقها وحريتها فى كثير من الاحيان وتستهين بمطالبها وكأنها نوع من الرفاهة وليست حق رصين يجب الحصول عليه .
كذلك المذاهب الدينية اللاسماوية المختلفة كشريعة مابو فى الهند والتى لم تكن تعترف بأى حق للمرأة وأنها مجرد تابع لابيها او اخيها او زوجها او ولدها؛ وفى حالة ان انقطع هؤلاء وجب ان تنقل تبعيتها لرجل من اقارب زوجها فى النسب وهكذا.. وشريعة حمورابى فى بابل والتى استهانت بالمرأة وبالغت فى تحقيرها الى ان أعدتها من الماشية المملوكة ؛ وفى شرائع اليونان والرومان قديما وصل الامر إلى وصف المرأة بالقصور وانها مسلوبة الحرية والمكانة .
بالمجمل العام.. الاعتقاد الخاطئ فى بعض الميثولوجيات بأن النساء ادنى من الرجال لدى الخالق ومن ثم تحرم النساء من كامل حقوقها وحريتها واى دور يمكن لها القيام به على قدر مساوٍ للرجل مما يُجيز أسباب كُثر لانتهاك المرأة . وكذلك سوء التفسير والتطبيق من رجال الدين او المفسرين هو ما دفع إلى بروز الفكر النسوى كتيار مدافع وراصد لكافة انتهاك المرأة بخلفيات اجتماعية استغلالية وداعى لحريتها واستعادة مكانتها التى تتوافق ولا تتعارض مع التعاليم الثيولوجية بمنهاجيتها الإنسانية السامية .
ساحة النقاش