كتب_حسن نوبي

التصوف كلمة إذا ما ذكرت سرعان ما يتبادر إلى الذهن عدة مظاهر مرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا لدى أفهام الكثير من الناس فمثلاً إذا شاهدت ذلك الرجل رث الثياب الأشعث الأغبر ذو المسابح الكثيرة الملتفة على رقبته والذي يهزي بكلام غير مفهوم أشبه بالجنون تجد أول ما يتبادر إلى ذهنك أنه صوفي..

وإذا ما شاهدت القبوريين – كما يسميهم البعض – زوار القبور والأضرحة المستغيثين بالموتى ليل نهار من دون الله يقدسون الموتى ويقبلون الحديد وربما سجدوا للقبور تعظيمًا لها تجد نفسك تنسبهم تلقائيًا إلى التصوف..

الموالد.. بما فيها من اختلاط الرجال بالنساء وهم يتراقصون ويتمايلون بالدف أحيانًا وبالمعازف أحيانًا أخرى هم أيضًا متصوفة, تقديس الأشخاص وتقبيل أيديهم وأحيانًا أقدامهم من أجل التبرك بهم وبآثارهم بدعوى أنهم من آل البيت هو مظهر أساسي من مظاهر الصوفية,اذا ما سمعت الخرافات والدجل والشعوذة والكرامات واختراق آلة الزمن  تجد نفسك تتحدث عن الصوفية, ناهيك عن أي تجمع به نوع من الطعام يُسمى "الفتة" اذن فأنت بحضرة الصوفية.

لكن، هل فكَّر أحدنا يومًا عن حقيقة هذه الأفعال؟ هل هي بدعية شركية أم أن لها أصل يستند إليه أصحابها, وما هي علاقتها بالتصوف؟ هل هي من التصوف أم لا علاقة للتصوف بها,وإن ثبت أنها أفعال شركية وأنها من صميم التصوف فلماذا نجد بعض العلماء الذين نعتز بهم ونُجلهم ونأخذ منهم العلم ينتمون إلى هذا التيار على ما فيه من هذه الأفعال الشنيعة هل هي سقطة من سقطاتهم أم أن انتسابهم لهذا التيار كان ملفقًا.

إذن فالأمر جد مُحيِّر ويحتاج إلى تبيان ولكي يتضح الأمر نحتاج إلى تعريف التصوف أولاً لأن الحكم لا يكون إلا من خلال المنهج لا من خلال متبعيه وإلا كان ما يفعله الإرهابيين المنتمين للإسلام هو حجة على الإسلام نفسه بأنه دين إرهاب وهو ما لا يقبله منصف عادل.

قال الامام الجنيد –رحمه الله- في تعريف التصوف بأنه "التحلي بكل خلق سني وترك كل خلق دني" فكل مازاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف,وقال القاضي زكريا الأنصاري عن التصوف "علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية",وهو كعلم ظهر مستندًا إلى ركن أصيل في الإسلام كعلم الفقه والتوحيد.

فنجد أن أركان الإسلام كما علمها جبريل لصحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هي ثلاثة ( الإسلام, الإيمان,الإحسان) فقام علم الفقه على الركن الأول مهتمًا بتعاليم الإسلام, وقام علم التوحيد على الركن الثاني وهو الإيمان, في حين قام علم التصوف على الركن الثالث وهو الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك", اذن فالتصوف علم يرتكز على قاعدة أصيلة في الدين الإسلامي لا يمكن زعزعتها فهو يترقى بالفرد ليصل به إلى الدرجة التي يعبد فيها الله كأنه يراه وهي غاية التصوف فهو يتدرج به من مقام إلى مقام حتى يصل به إلى المقام الأسمى مشاهدة الله عند قيامه بأي فعل، وبالتالي فإنه يمكننا القول بأن التصوف ليس مذهبًا وإنما هو أحد أركان الإسلام لذا قال الإمام مالك "من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق".

إذن فالتصوف كعلم من العلوم الشرعية لا خلاف عليه بين أهل السنة والجماعة, انما ظهر الخلاف والانتقاد للتصوف بعد أن ظهر النموذج التطبيقي لهذا العلم فيما يُعرف بالطرق الصوفية وهي عبارة عن مدارس داخل التيار الصوفي مثلها في ذلك مثل المدارس الفقهية ولم يدع الائمة المتصوفة الأعلام الطريق مفتوحًا أمام إنشاء هذه الطرق بل قيدوا الأمر ووضعوا شروطًا لهذا فالإمام الجنيد كان يقول"من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة".

وقال سهل التستري: «أصولنا سبعة أشياء: التمسك بكتاب الله، والاقتداء بسنة رسوله، وأكل الحلال، وكفِ الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق» وقول عبد الوهاب الشعراني"إن طريق القوم - أي الصوفية - محررة على الكتاب والسنة كتحرير الذهب والجوهر، فيحتاج سالكها إِلى ميزان شرعي في كل حركة وسكون"غير أن ثمَّة طرقًا اندست بين طرق الصوفية تخلت عن الكتاب والسنة واتخذت شياطينها أولياء فكانت هذه الطرق انتكاسة على التصوف ليس ذلك فحسب بل إن هناك الكثير من تصرفات المتصوفة أيضًا صُدِّرت للناس على أنها كفر وبدع من أصحاب الفكر الوهابي واتخذوا من الأحاديث والقرآن ما يخدم أغراضهم متأولين القرآن والسنة في حين أنها سنن من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم فكان التصوف ضحية بينهما لذا سأتحدث عن الاتجاهين في المقالات القادمة إن شاء الله.

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 865 مشاهدة
نشرت فى 17 سبتمبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,030,580

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟