كتب_ محمد سلامة
يقولون الغربة مرة فهي بُعد عن الأهل والأحبة والوطن وعاداتك وتقاليدك وقد تعيش منفردا أعوام كاملة من أجل لقمة العيش وتعديل حالك الذي تركت وطنك بسببه ويقولون أغرب الغرباء من صار غريبا في وطنه ونحن من نسكن الغربة نحسب سفارة بلدنا هي وطننا. موطئ قدمنا . بابنا المفتوح متى نشاء. الشيء الوحيد الذي نرى عليه علم تعودنا نراه منذ الصبا وننظر اليه بكل شموخ علم مصر ام الدنيا اللي هتبقى أد الدنيا . اما عندما نحرم من دخول سفارتنا ونطرد منها فهذه هي الطامة الكبرى بل الخطيئة في حد ذاتها..
هذا ما حدث مع هاني المواطن المصري والمقيم في دبي عندما ذهب للسفارة بصحبة زوجته وابنته وبسؤال الموظف عن حل مشكلته قال له لازم تقابل القنصل (دا لو عرفت تقابله ) وذهب هاني لمكتب القنصل وسأله فرد الأمن عن سبب الزيارة ولحياء الرجل قال له اعتبرها (حالة إنسانية ) رد عليه بكل حزم ( القنصلية هنا ليست مكان للحالات الإنسانية ) وبعد إلحاح هاني طلب منه فرد الأمن أن يأتي بعد ساعة لأن القنصل "مش فاضي" ومرَ الرجل مرة أخرى ووجد بعض الناس يدخلون على القنصل ولكن فرد الأمن رفض دخوله وقال له يلا امشي من هنا "ومش ناقصين قرف ".. وامشي علشان ماتبقاش مشكلة واطلبلك الشرطة وخرج هاني متسائلا إلى من أتوجه بطلبي وأنا أطرد من سفارة بلدي عاوزني اكره البلد ده مش هيحصل أبداً احنا عمرنا ما نكره أم الدنيا ...
تلك حكاية هاني باختصار كما حكاها هو بدون تفاصيل وبدون حبكة درامية رغم أنها بها العديد من المشاهد الدرامية التي يئن لها القلب وتدمع لها الأعين وأنت تجد نفسك وحيدا في عالم الغربة الذي لا به أخ ولا سند ولا من تشكي له همومك وأحزانك. لا أرى أي مبرر لتصرف رجل الأمن في ذلك وأتعجب جداً أن مقابلة السفير تعد من المستحيلات أو لها شروط خاصة أو لابد أن يكون لديك واسطة هل مازلنا في زمن (الواسطات) فدور السفير هو خدمة مواطنيه والدفاع عن مصالحهم وتسهيل أعمالهم وشؤونهم في الدولة المضيفة ويتقاضى مرتبه من أموالنا هو وأفراد السفارة من أجل هذه المهمة.
ومن المعلوم أن المصريين لا يذهبون لسفارة بلدهم إلا في الضرورة القصوى وهذا من واقع تجربتي الشخصية فأنا في بلاد الغربة منذ 8 سنوات لا أعرف شكل أبواب سفارتنا ولا أين موقعها بل لي أصدقاء هنا مقيمين منذ أكثر من 12 عاما ولا يعرفون أين توجد السفارة وذلك لما نسمعه من سوء المعاملة وقلة خبرة الموظفين وهذا كان موجوداً بالطبع منذ عهد المخلوع حسني مبارك والذي من بعده لم يتغير شيء كل شيء كما تركه هو وعلى رأي أخوانا العرب ( على حطة ايده ) ثلاثة أعوام من المعاناة منذ يناير 2011 ثورتين متتاليتين سمع عنهما القاصي والداني تخللهما رئيسين ومجلس عسكري ومطالبنا وأهدافنا واضحة كوضوح شمس صيف القاهرة.. عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية .. واحترام الإنسانية دفعنا من أجلها الغالي والنفيس دماء شهدائنا لم تبرد بعد.
ولكن محصلة كل هذا هي جملة واحدة لم نسمع غيرها أننا نور عيونكم. أثبتوا أننا نور عيونكم. اثبتوا أنكم تتعاملوا معنا كمعاملة باقي الدول لشعوبها ما نطلبه يا سادة لا يحتاج لميزانيات خاصة ولا هو مشروع اقتصادي يحتاج لدراسة جدوى وأطر ونظريات بل يحتاج إدارة تهتم بمواطنيها وتبحث عن أسباب المشكلة ولا تقولوا أن موظف الأمن مخطئ ولا قلة موظفين السفارة أو قلة الكفاءات فلا يوجد في مصر أكثر من أرقام البطالة.
ساحة النقاش