كتبت_هايدي أحمد
مقهى علي زواية الشارع في محطة الرمل...تدخل المقهي و تشعر و كانك قد دخلت عصر قديم لم تعشه من قبل... علي الحائط يوجد صور جمال عبد الناصر وأم كلثوم وعبدالوهاب وصباح.
تحت هذه الصور الجميلة يجلس رجل و قد شابه السن و تعرف من جلسته انه صاحب المقهي... المقهي بيه اكثر من طاولة تغطيهم مفارش زرقاء تلمع في ضوء الشمس.
- زوار المقهى دائما من كبار السن الذين عاشوا الزمن الجميل الظاهر علي جدران المقهي... كلهم يشبهون بعض في الملبس و المجلس و حتي طريقة الكلام..... يتذكرون ايام الشباب و الشاطئ الجميل و اسكندرية عروس البحر و هكذا تدور الايام و كل يوم كما هو في هذا المقهي....
وتتغير الاوضاع و يتبدل حال المقهي بمقهي جديد عصري كمقهي في وسط البلد تشع منه رائحة الثورة و الشعر و تتغير الوجوه و لكن هناك وجه واحد فقط لا يتغير..... وجه انثوي عجوز تظهر عليه سنين الحياة و ايضا جمالها فهي هذه السيدة تاتي كل يوم لتجلس علي الطاولة التي تتطل علي البحر...لا تتكلم مع احد و لا احد يكلمها مجرد فنجان قهوة و كتاب و تجلس كل يوم كالتالي ....
هناك شاب دائم المجئ الي المقهي لا يتجاوز عمره الخامسة و العشرون ويحيره وجه هذه المرأة .... يسال نفسه لماذا تجلس هكذا كل يوم ...
تخيل الشاب في لحظة انه ذهب اليها و بدا في الحديث و جري هذا الحوار بينهم......
- الشاب: صباح الخير
العجوز: صباح الخير ايها الشاب
الشاب: كيف الحال..... فانا دائم المجيئ الي هنا و اجدك تجلسين هنا دائما
العجوز: نعم !!!!!!( في ان اندهاش من السؤال) لما تسال فلم يجرا احد علي محوارتي من قبل هنا من وقت ما دخلت هذه الروح الجديدة علي مقهنا....
الشاب: مقهنا !!!!!
العجوز: نعم ايها الشاب فانا اقصد ما سمعته ....فهو مقهنا طيلة الاربعون عاما الماضية..
كنت اجلس هنا مع اخواتي و من بعدهم اصدقائي...فقد كان صاحب المقهي صديق عزيز من ايام الطفولة. و كنا نمرح كثيرا ..فاكثيرا ما شاهد هذا المقهي حفلات و قصص حب و ضحنا و بكاءنا
فانا كنت اعيش مع والدي بالقرب من هنا و كانوا ايضا يحبون الجلوس علي هذه الطاولة.
و تزوجت و احب زوجي هذه المقهي جدا حتي في سنواته الاخيرة كان يجلس علي كرسي متحرك كان يستيقظ كل يوم في صباح الباكر و نجلس هنا علي هذه الطاولة لنري البحر و نستنشق هواءه
ياه كانت ايام جميلة عندما كانوا هؤلاء مازالوا علي قيد الحياة
الشاب: و لماذا تجلسين دائما لوحدك اليس لديك ابناء ؟
العجوز: لدي ابنة و ابن كلهما يعيشان في الخارج ...فابنتي قد تزوجت و هاجرت مع زوجها بعد ان ضاق بيهم الحياة هناو ايضا ابني سافر و تزوج من بلد عربية و قال لي انه قد جاء لي بحفيدة.... والتي حتي الان لم اراها.......ياه كم اشتاق لرؤيتها.
الشاب: و لما لا تسافرين و تقيمين معهم
العجوز: ابدا لن اعيش سنواتي الاخيرة غير هنا... فلتعلم ايها الشاب ان هنا ذكرياتي و ايامي و جيراني و حياتي كلها..
هل انت تعتقد اني قد اترك بلدي و اسافر حتي و لم اكن استطيع التمرد و الثورة مثلكم فانا اريد ان موت هنا ايها الشاب فانا استغرب هؤلاء الذين يعيشون طوال عمرهم خارج هذا البلد و عندما تاتي سنواتهم الاخيرة يقولوم انهم يريدون ان يموتوا في هذه البلد ...... و كأنها هي القبر الذي سوف يحتويهم
الشاب: ربما لحيننهم لايامهم الجميلة التي كانت هنا
العجوز: ربما
الشاب: اين اصدقائك الم تقولي لي انك لديك اصدقاء كثيرة؟
العجوز: لقد ذهبوا من هذه الدنيا واحد تلو الاخر
و انا الاخيرة و قد اطال الرب في عمري حتي اشاهدكم و انتم تتمردون و تثورون علي النظام
هل تعلم ايها الشاب..لقد حاولنا من قبل التمرد و لكن زمنا غير زمنكم
الشاب: هل انتي مع الثورة !!!!!
العجوز: نعم لقد اطال الرب في عمري لكي اراكم و عندما اذهب الي زوجي و اصدقائي سوف احكي لهم علي حلمهم الذي تحقق.....
فجأة الشاب استيقظ من حلم اليقظة الذي اخذه لهذا لاحوار ....فوجد العجوز مازالت جالسة وحدها علي هذه الطاولة تنظر الي البحر..... ثم فجاة نظرت الي هذا الشاب الذي كان ينظر اليها في شدة منذ كما يقرب من ثلاثون دقيقة و علي وجهها لمحة غضب.....ثم ذهبت و كانت هذه المرة الاخيرة التي جاءت هذه السيدة الي المقهي....
ساحة النقاش