كتب_ خالد عيد
الملحدون ثلاثة أنواع؛ النوع الاول: قرر أن يلحد بأعتباره مثقفا يلتهم الكتب التهاما, ويتفاخر بعقله الذى يقدسه تمام التقديس امتثالا فى ذلك للمفكرين المشاهير الذى يقرأ كتبهم فيتخذهم قدوة فى العقل والتفكر, فيلحد لأنه يشعر بأنه عظيما مختلفا مثلهم، والنوع الثانى: يلحد لأن عطبا ما قد أصاب عقله, نتيجة للتخبط والتشوش الشديين حينما يقرأ أو يشاهد هنا أو هناك أشياءا تهز معتقداته فضلا عن ايمانه الضعيف أصلا, فيجد الاسئلة تحاوطه من كل اتجاة دون ان يعرف لها إجابة قط .. أما النوع الثالث: فيقرر أن يلحد كى ( يريح دماغه ) ويسقط عنه كل العبادات والالتزامات والتكليفات بكل سهولة, فيتحرر من قواعد الثواب والعقاب, فيجد الالحاد مسلكا مقبولا له.
لذلك فلم اندهش , ولم اغضب , ولم انفعل , حينما عرفت ان صديقى قد ألحد ! , هوة الألحاد العميقة والعقيمة لا تتسع لعقله تماما , وبما انه قارىء جيد وغارقا فى الكتب لأذنيه , فقد رجحت انه من النوع الاول فتلسمت خيط الحديث معه , وسرعان ما انسال تماما .
قلت له مداعبا : ان لم تكن تؤمن بالرب , فبماذا تؤمن اذن يا صديقى ؟!
قال بهدوء : بالعقل والعلم.
_ وماذا يقولون لك؟
_ ان الطبيعة هى الام .. ولا شىء اخر .
_ قلت مشاكسا : ابراهيم ناجى وصف هذا ذات مرة ساخرا : عندما تسمع ام كلثوم تغنى وتشدو هل تقول الله الله يا ست .. ام تقول الطبيعة الطبيعة يا ست!
نظر لى شذرا وكأن السخرية لم ترق له, فقال وهو يحرك نظارته على عينيه: ما الدليل على ان الله هو خالقنا .. اريد دليل علمى ملموس.
قلت له : الدليل العلمى ينبغى _ كما هو شائع فى العلم _ ان يخضع لتجربة , ووجود الله لا يثبت بتجارب, وفى هذا دعنى اسالك سؤالا افتراضيا, ما الدليل العلمى على وجود العقل؟, كما ترى .. سؤالا هزليا بحت, لكن اولا اريدك ان تجاوبنى , بما انك تدعى ايمانك بالعلم , فهل تؤمن _ كما يقول العلم _ ان الطاقة لا تستحدث من العدم ؟
_ بالتأكيد .. هى نظرية ثابتة فى العلم
_ قلت على الفور: اذن كيف تؤمن ان الطاقة لا تستحدث من العدم , وفى ذات الوقت تؤمن ان الكون بكامله بما فيه من بشر قد استحدث من العدم!
فهل يمكن ان يتحرك شىء من تلقاء نفسه ؟ ام ان كل شىء يتحرك لابد بالضرورة من وجود المحرك .. تلك اليد التى تمد فيه الاستمرارية ؟!
صمت ثم قال مراوغا: اذن ما سر وحكمة اختفاء الله وابتعاده عن التواصل البشرى مع مخلوقاته ؟
_ ببساطة لانه لا يمكن لله الظهور بيننا , والتواصل مع الله يكون من خلال تقربك منه بالصلاة وبقراءة كتابه وآياته
_ على ماذا استندت بجوابك بأنه لا يمكن لله الظهور بيننا , واذا كان الله لا يتواصل معنا بالمباشر فأذا هو اما نابذ لنا او انه لا يريد منا شىء, أما بالنسبة للصلاة وقراءة كتبه هى علاقة مثل علاقة الحب من طرف واحد, يعنى علاقة فاشلة
_ الله خلق البشر لعبادته ولإعمار الكون ووضح شروطه فى التقرب من الخير والبعد عن الشر, واسس مبادئه للثواب والعقاب لتحكم افعال الانسان, واعلمنا بحلول ميقات غير معلوم لنا بزوال هذا الكون وفنائنا, ومن ثم الحساب, بما يعنى أننا نحيا نعم, ونعمر نعم, ونعبد نعم, لكن ذلك يأتى فى اطار اختبار واسع, فبالمنطق هل يعقل ان يكون واضع الاختبار بجانبك دوما ام يضع لك كل ما تود معرفته بين يديك ثم يأتيك فى موعد النهاية ليحاسبك ويجازيك, شرا او خيرا.
لفنا الصمت للحظات وشرد هو محدقا بعينيه الى المجهول, فكان ذلك اعلانا بنهاية نقاشنا عند هذا الحد , نهضنا وقبل أن نفارق بعضنا لنختلط كل فى حياته , قلت له قبل ان اودعه: ارجو ان تفكر جيدا يا صديقى .. فالموضوع يستحق.
رسم على وجهه نصف ابتسامة .. ثم افترقنا.
قلت محدثا نفسى بعدما غادر صديقى: هذا هو نتاج عبادة العقل .. شكل من اشكال العبودية هو أن تحبس قلبك خلف عباءة الحرية وتحرمه _ بكل طغيان _ من الانتماء والخضوع لمن وهبك عقل عرفن من خلاله ان هناك شىء اسمه حرية.
وقمه الحرية هو تطويع نفسك بخضوعك لمن يستحق أن تدين له بكل شىء ..إنه الله.
ساحة النقاش