كتبت_نيرة مصباح
أحب رجلا، طويل جدا، نحيف جدا، وأسود جدا، أحبني هو من النظرة الأولي، و لم أبال أنا به حينها، ظل يراقبني فترة طويلة دون أن يقترب مني أو يحادثني أو يلمح لي بشيء، ضقت أنا ذرعا بملاحقته لي في كل مكان، ذهبت اليه يوما و قلت في منتهي الحدة "هل تراقبني؟"، انتابه فزع من جرأتي في الاقتراب منه و حدتي في طرح السؤال، هم أن يرد علي فقاطعته بعنف "لا تحاول أن تنكر لست بضريرة"، قال في صوت رقيق و هادئ و ثابت "لم يكن لدي النية في الانكار، نعم أراقبك، و أنا آسف جدا ان كان ذلك أزعجك، لكنني لا أعتقدني سأتوقف عن ذلك قريبا". أعتقد أنني أحببته حينها.
حدقت فيه قليلا بقصد اعطائه رسالة بأنه أمام فتاة مرعبة جدا، ارتبك هو و نظر في الأرض، بسطت كفي أمامه بغرض المصافحة و أخبرته باسمي، فصافحني و أخبرني عن اسمه، قلت "أنت بالتأكيد كنت تعرف اسمي بالفعل"، فقال "لا، أردت أن أعرفه منك شخصيا"، نظرت له ساخرة فأضاف "صدقيني".، نظرت حولي فوجدت متجر حلويات و مثلجات، "أخبرني: هل تحب المثلجات؟”
ابتعنا المثلجات، وقفنا في الشارع نأكل و نتحدث، تحدثنا كثيرا، تحدثنا حول أشياء كثيرة ليس ثمة قاسم مشترك بينها، لم نتحدث كشخصين يتقابلان للمرة الأولي، تحدثنا كشخصين يتحدثان للمرة الأخيرة في حياتهما، لا يريدان أن يهدرا فرصة للحديث و اخبار الأشياء، و الانصات لأشياء أخري. بدا الكلام و كأنه نهر لا ينضب. نظرت حولي فوجدت مطعما للشطائر و الوجبات السريعة.. "أخبرني: هل تحب الشاورما؟"
ابتعنا الشطائر، جلسنا علي منضدة صغيرة موضوعة علي الرصيف أمام المطعم، استكملنا حديثنا الذي كان قد انقطع، "لا أتفق معك علي الاطلاق، فاتن حمامة كانت رائعة جدا في هذا الفيلم"، قلت و أنا ألتهم الطعام.
بعد أن انتهينا من الأكل، غادرنا المطعم و أخذنا نتبادل سرد القصص و نسير في خطوات بطيئة، نحو اللا مكان، مررنا من أمام بائعة ذرة تفترش الطريق.. " أخبرني: هل تحب الذرة؟”
ارتبطنا عاطفيا. كنت أنا العلاقة الأولي له، لم يكن هو كذلك بالنسبة لي. مر عامان علي علاقتي بهذا الرجل الطويل الأسود النحيل. سخرت صديقاتي و قريباتي من هذه العلاقة كثيرا.. "ألم تجد رجلا أقل طولا، أقل نحافة، أو أقل سوادا؟!”
لازلنا نخرج سويا في كل ليلية، نسير، و نتحدث، و نأكل كثيرا، ألعب معه أحيانا مثلا، أشير ناحية غصن عال بشجرة علي الطريق و أقول "أحضر لي تلك الورقة يا عمر"، يحضر لي عمر ورقة، فأقول "ليست تلك التي أريد، أريد الورقة التي بجوارها يا عمر"، يفعل عمر ما أريد و يقول "لو شئت لاقتلعت لك الشجرة كاملة"، أبتسم، فيبتسم، تظهر أسنانه البيضاء من وجهه الأسود العالي، أخبره أنا "حين تبتسم، يطل علي القمر من بين شفتيك يا عمر"..
ساحة النقاش