كتبت_ نيره مصباح

بجوار محل عملي، يوجد ميدان كبير حيث الكثير من المطاعم والمقاهي، في الساعة الثانية مساء أحصل علي استراحة غذاء لمدة ساعة، أفضل قضاء تلك الساعة بعيدا عن مكان العمل، أذهب وحدي إلي الميدان الكبير حيث الكثير من المطاعم و المقاهي، أأكل و أشرب و أقرأ قليلا و أكتب أيضا، في كل يوم أجرب مطعما أو مقهي جديدا، أتعرف جيدا علي العمال و الطهاة و النادلين، أمزح معهم، أستمع إليهم، أخبرهم أشياء، نتبادل الآراء فيما حدث بالأمس من مستجدات سياسية، نختلف كثيرا، نتفق أحيانا.

في ركن صغير من الميدان، يقبع مطعم صغير، سألت عنه فقيل لي أنه الأقدم في  المكان، ترددت قليلا، لكن دخلته، و كان يوما صيفيا، نادل وحيد يعمل بالمطعم، رجل مسن، يرتدي نظارات سميكة، تشعر بسببها أن التواصل مع الرجل مستحيل، جلست علي طاولة، جاءني الرجل بقائمة الطعام، ابتسمت له فلم يبادلني البسمة ببسمة، شعرت بالحرج لا بالضيق، نظرت في قائمة الطعام، كانت متواضعة جدا و محدودة، أشرت للنادل فجاءني فورا، ابتسمت له و مرة أخري لم يبادلني الابتسام، أشرت له بأصابعي نحو اسم الطبق الذي أريد، سمعته يتمتم: "حسنا، عشر دقائق فقط".

بعد عشر دقائق جاءني بالطعام و زجاجة من الماء، ابتسمت له و قلت في أدب "شكرا لك"، أجابني بهز رأسه دون أن يبتسم.

أكلت الطعام و كان شهيا جدا و نظيفا و معدا بشكل جيد و لذيذ، بعد أن انتهيت من الطعام، أتي الرجل و أخذ الطبق في هدوء و أدب جم، طلبت "الحساب" فجاءني به، وضعت أنا النقود فوق ورقة الحساب، جاء و أخذ النقود ثم ذهب و وضعها داخل حافظة النقود المعدنية دون أن يعدها!

وجدتني أرتبط بهذا الرجل، رأيت قلبه يبتسم لي دون شفتيه، أحببت المكان جدا أيضا و تعلقت به، أصبح مطعمي المفضل.

مع مرور الوقت أصبح الرجل يعرفني جيدا، يحضر لي الطعام و الشراب بالشكل و المواصفات التي أفضلها، هكذا يفعل هو مع كل الزبائن، هو لا يتحدث إلا قليلا و لا يبتسم أبدا، لكنه يعطي زبائنه كل اهتمامه و انصاته و رعايته، متفاني في العمل، يخدمك كما أمك، يصوم عن الكلام كما راهب يسكن الصجراء.

علي مدار عامين، ظللت أحضر للمطعم الصغير القديم في الساعة الثانية مساء و أجلس هناك لمدة ساعة، أقرأ و أكتب وأكل و أشرب و أتواصل مع النادل دون أن أتواصل معه.

بالأمس ذهبت للمطعم في الثانية كالمعتاد فوجدته مغلقا، سألت، فأخبروني "عم فاروق تعيشي انتِ"، الآن أنا في العزاء أبكيه بحرقة و أراه يبتسم لي من خلف الموت.

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 990 مشاهدة
نشرت فى 8 أكتوبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,527,463

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟