كتبت_ إيمان زهران

العلمانية كفكر بدأ غربيا أستحدث نشاطة بالشرق ولا يزال إلى وقتنا هذا فكرا مرفوضا ومنبوذا ومدانِ  بأغلب الأروقة المعرفية العربية على مستوى البناء الفكرى والمجتمعى الثقافى . هاجس العلمانية دائما ما يشمل كل ما يساومة فضولة على البحث والتنقيب على المفهوم وتعريفة واشكالياتة ومشتقاتة . ولكن هل هذا الإهتمام لمجرد الفضول المعرفى وإلتقاط السقطات فى إطار مقارن مع الفكر الإسلامى او الدينى الثيولوجى بصفة عامة وإثبات خطأ العلمانية وإستكمال سلسلة نبذها ؛ إم لأن العلمانية كفكر يروق للبعض منهاجيا وعمليا لمواجهه العديد من أزماتنا وتعقيداتنا التى لا نزال نعانى منها منذ عقود كأزمة الحكم والسلطة وديمومة القهر والإستبداد و... ؟؟ جميعها أسئلة تطرح فى مفترق الطريق الفكرى ذو التوجهه الأوحد " هل تقبل المجتمعات العربية الإسلامية للعلمانية ام ترفضها ام تطرح ما يسمى بالعلمنة المؤمنة كطرح دينى للعلمانية مقابل الطرح الغربى .

العلمانية تعرف بصفة عامة بـ " التصرف وفق المقتضى العقلى الإنسانى "  وهى فكرة ليست بحديثة النشأة فبدأت التلميحات لذلك الفكر بداية من القرن الثالث عشر فى أوربا حين دعا "مارسيل البدوانى " فى كتابة " المدافع عن السلام" إلى الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية ؛وقياسا على ذلك هناك عدد من التعريفات منها أن العلمانية تتمثل فى نفى الأسباب الخارجة عن نظاق الظواهر الطبيعية والبحث فى المسببات العلمية والحقائق التجريبية، أو انها تمثل الإطار المؤسسى الذى ينظر إلى المؤسسة الدينية بأنها مؤسسة خاصة لتوجيه علاقة الإنسان الروحية فقط مع خالقة بصورة عمودية وليس أفقية وفي تعريف آخر هي الإطار الذي يسعى لرفض تدخل الدين فى قواعد وسياسات الدولة.

كذلك ؛ يشير دكتور المسيرى إلى أن العلمانية يمكن النظر إليها من منظوريين إحداهما منظور جزئى والذى يتطرق الى فكرة فصل الدين عن الدولة ؛ بينما المنظور الأخر وهو الكلى او الشامل والذى يمهد وفقا لتصوره لفلسفة الحداثة الغربية وما بعدها بشكل عام متضمنا اتجاة العولمة فى ترسيخ القوانين لاستقامة الإنسانية .

ولأن فكر " العولمة" ذو إرتباط وثيق بالعلمانية ومراحلها ؛ نجد أن الطرح الخاص بالعلمانية بمعناها الشمولى مر فى بلورتة إلى عدد من المراحل أهمها مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة وإسهامهم فى تأسيس نظم معرفية وأخلاقية مستنيرة على أختلاف تبعاتها .

الحداثة فى إبسط تعريفها " هو إستخدام العقل والعلم بشكل منفصل عن القيمة وذلك على الرغم من أن "الحداثة" كخطوة مرحلية نحو العلمانية تعد فى ذاتها مرحلة انتقالية استمر من خلالها سيادة الفكر النفعى مما عمق لفكرة الدولة القومية وتحدياتها المختلفة سواء السياسية بظهور النزعات العرقية او الإقتصادية بالإتجاة العام نحو الاستهلاك المغالى فيه .

كذلك ؛ فكر الحداثة يشمل ثلاث خصائص علمانية مختلفة تتعلق بالبنية والسياق والوعى النوعى فى مقابل مصطلحات أكثر انفتاحا تتعلق بالتحديث من خلال جدلية التغير والتحول ؛ والحداثية اى التقدم اللانهائى . أى ان التحديث المادى لا يمكن لة أن يتم دون أن يفضى ذلك إلى حداثة فكرية وهو ما يمثل جوهر الحداثة كأحد مراحل العلمانية .

ما بعد الحداثة .. ظهر ليعبر عن اللاعقلانية والفوضوية والتشويش من خلال المؤرخ البريطانى "تونى بى " وانتقل ذلك المصطلح للعديد من المجالات ما بين الادبية والمسرحية والتصويرية والسينما والموسيقى وكذلك العمارة والأساليب الهندسية. لكن الملخص من تلك المرحلة هو إسقاط الوصف على مجتمع ما بعد الاقتصاد ؛ او مجتمع ما بعد الصناعى .

الأساس الراسخ لفكرة ما بعد الحداثة أن تلك الحقبة يميزها الفكر المعلوماتى التنموى وهو ما عرف بحقبة " الرأسمالية المتأخرة " وهو ما يعلى من فكر الحداثة بتصنيفاتها المختلفة والتى تسعى لتطبيقا عقلانيا للعلم مقابل فكر " ما بعد الحداثة" والذى يمثل نتاج للتكنولوجية الثقافية الجديدة وفقا لما ذكرة " دانيال بل " ابرز ما تحدث عن تلك الاتجاهات والمراحل والتى تمثل مراحل متعددة للعلمانية فى تكويناتها الثقافية .

لذا ؛ العلمانية على مختلف مراحلها تعبر عن محاولة فكرية وتجريبية إنسانية تراكمية خاضتها شعوب وتيارات ونخب وفلاسفة غربيين فى تحركاتها المختلفة منذ ما قبل الحداثة الأوربية وفى عصر الحداثة وما بعد الحداثة . فالعلمانية تمثل فكر أخلاقى وتنظيمى يستند إلى قواعد الإنسانية فى تسيير الأمور العامة دون النظر الى التوجهات الميثولوجية وتجارب الأداء الدينى . فالعلمانية بمختلف مراحلها " التحديث – الحداثة – ما بعد الحداثة " تعلى من الذات الإنسانية دون التحكمات الدينية السلطوية ؛ تعلى من العقل والمنطق دون النظر للسلطات البابوية لشخصنة الإله .

 

العلمانية فكر وليست دين ؛ فالدين لله تمارس شعائرة طبقا لمؤسساتة ؛ والعلمانية فكر تستنج قواعدة طبقا لمستجدات العصر ومتطلبات الدولة . قد يسعى البعض لادماغ الافكار الدينية بالعلمانية واستخراج نقاط تلاقى كمدخل لقبولها بالمنطقة العربية الإسلامية – بما يخدم مصالحة – وقد يسعى أخرون بنفس منطق المصلحة لإزدرائها فكريا وثقافيها وتكفير مؤيديها دينيا لمجرد ضمان الهيمنة الدينية وبسط النفوذ والتاريخ ملئ بمثل تلك الأحداث المرسخة لهذه الأفكار .

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2312 مشاهدة
نشرت فى 8 أكتوبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,480,537

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟