كتب – محمد حسن عامر:

يرى الكواكبى فى كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد أن الاستبداد السياسى والاستبداد الدينى متلازمان مترادفان فالأول هو استبداد الأجسام والثانى هو استبداد القلوب، وهذه الرابطة ليست نابعة عن عن أى تقاليد دينية أو شرائع سماوية وإنّما جاء الارتباط من حال المسلمين وواقعهم الذين يعانون من استعانة مستبديهم –تكريسا لاستبدادهم- برجال دين يخيفون الناس من غضب الله- على اعتبار أنهم المفسرون لكلام الله- مما يجعل النفس البشرية دائما خائفة وهو الأمر الذى يفعله السياسيون فهم يسترهبون الناس بالتعالى الشخصى والحسى ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يبدو الناس كالأغنام وحين يصبح الأمر كذلك فإن هذا الإحساس سيسيطر على عوام الناس حتى يختلط عليهم الأمر ولا يفرقون بين طاعة الله وطاعة الحاكم؛ ليصبح الأخير له طبيعة من طبيعة الاله يكرسها له رجال الدين وهو أمر ليس من الاسلام أبد.

لقد كنت أنا والأخ (م ع ) والأخ (ع ج) وبمساندة باقى الأخوة نسعى دائما لفرض سيطرتنا على كل نشاط فى المدرسة وقد كان هذا بالفعل وكانت هذه السيطرة _التى أصبحت شبه تامة ونحن فى الصف الثالث الثانوى_هى تكليل لعملنا الدعوى بالمدرسة. والحقيقة أنا حتى هذا الوقت لم أكن أدرك أنها دعوة الاخوان المسلمين وانما هى الدعوة القائمة على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بما يعيد الى أمة الاسلام الضائعة خيريتها، انطلاقا من قولة تعالى "كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، وكان الحال كلك تقريبا بالنسبة لباقى الأخوة بالمدرسة الأصغر سنا أو أولئك المحبين_ أى المعجبين بما تقوم به فى المدرسة ويتأثرون بنا فيما نقول ونفعل_ والأغرب أن حتى أساتذتنا كانوا معجبين تماما بما نفعله وخاصة وأننا نحدث حالة من الضبط والربط والحزم فى المدرسة تريحهم كثيرا.

 وتجلّت هذه الهيمنة فى أكثر من مشهد – منها على سبيل المثال لا الحصر:

 المشهد الأول:

 أننا كنا نأتى يوميا فى تمام الساعة السابعة والنصف فيقوم أحد الأخوة بمهمة كتابة الحديث اليومى داخل كل الفصول، ويقوم أخ أخر بتجميع الطلبة فى أحد الفصول لعمل ما نسميه "المقرأة" والتى بدأناها بقراءة القراّن فقط ثم بعد ذلك جعلنا جزء من الوقت المحدد لها لكلمة يلقيها أحد الأخوة، وفى تمام الساعة الثامنة إلا الربع نتوجه إلى الطابور المدرسى لنستهل الإذاعة المدرسية، وكنت أنا المكلف بفريق الاذاعة المدرسية من قبل الأخ المسئول الأستاذ (م ع أ) والذى هو أيضا مسئول الجلسة التربوية الخاصة بى ولم يكن مدرسا بالمدرسة _حتى تتضح الرؤيا_ والحقيقة أنى قدت فريق الإذاعة ببراعة فى فقراتها، وكانت من أهم الوسائل التى نمارس من خلاله عملنا الدعوى وكانت تمثل مصدر جذب هائل لنا، سواء الأساتذه الذين كنا نختار أحدهم أسبوعيا لاجراء حوار معه أو الطلاب الذين يرغبون فى الانضمام لفريق الاذاعة.

المشهد الثانى:

 أننا قمنا بتعيير النشيد الذي يقال فى تحية العلم تماماً؛ فقد كان النشيد "نحن الطلاب الله أكبر، أقسمنا يمينا لم نقهر، وكتاب الله بأيدينا نقتحم اليابس والأخضر، فالله غايتنا، والقراّن دستورنا ، ورسولنا قدوتنا، والجهاد فى سبيل الله أسمى أمانينا فرددوا معى يا شباب الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، تحيا جمهورية مصر العربية" واذا ما استبدلت كلمة الطلاب فى مطلع النشيد وحذف الجملة الأخيرة منه يسير النشيد هو شعار جماعة الاخوان المسلسلمين.

أما المشهد الثالث:

 فيتجسد فى إنتخابات اتحاد الطلاب حيث أنه قد تم الاتفاق فيما بيننا أن يتم ترشيح الأخ (م ع ) فقط لأمانة الاتحاد وكان سينجح بنسبة مائة فى المائة؛ لأن أمناء الفصول الذين ينتخبون أمين اتحاد الطلاب كلهم من طلاب الاخوان المسلمين _ وكان هذا مرتب له أيضا فى الجلسة التربوية الخاصة بنا_ وقد كان ذلك أيضا، ولكن من المواقف التى استدعت تفكيرى موقف الأخ (م خ ب) حيث أنه كان يرغب أن تحدث انتخابات طبيعية حرة ومن يريد منا أن يترشح لأمانة الاتحاد فليترشح وبدأت عليه علامات الضيق والغضب خاصة وأن الأخصائية الإجتماعية طلبت أن يترشح أى أحد أمام الأخ (م ع) فقبلت أنا _ونحن جميعا نضحك_ أن أكون المرشح أمامه حتى ننهى هذا الأمر. واستنكرنا جميعا موقف الأخ (م خ ب) وكنت أنا على رأس هؤلاء ورغم أنى كنت أرى فى موقفه منطق ما إلاّ أنّ الأهم عندى كان فرض سيطرتنا أو بمعنى أخر نشر دعوتنا، وبعد ذلك ابتعد الأخ (م خ ب) شيئا فشيئا عنا_ولا أعرف حتى الأن اذا كان ينتمى إلى الجماعة أم لا لعدم وضوح موقفه_ الا أنه حقيقة بحاجة الى التحية على هذا الموقف المشرف.

أما المشهد الرابع:

 فى ذات يوم وجدنا فى المكان الذى يتم عمل الطابور فيه ملئ بالرمال وبعض أدوات البناء_ وقد كانت هذه الأدوات لبناء سور المدرسة_إلّا أننا رأينا فى ذلك تحد من المدرسة حتى تعيقنا عن القيام بأنشطتنا_أو عملنا الدعوى_؛ فأمرنا الطلاب بعدم الذهاب إلى فصولهم الأمر الذى أحدث فوضى عارمة صباح هذا اليوم، لكن الأغرب أن الأساتذة كانوا يترجوننا كى ندخل الطلاب بفصولهم على أن يتم ايجاد مكان بديل بالمدرسة لعمل الطابور أو بنقل أدوات البناء الى مكان أخر وعلى هذا تم الاتفاق بيننا_وتم ايجاد مكان بديل ولكنه لم يكن مناسبا فذهبت أنا إلي الإخصائية الإجتماعية وطلبت منها أن يتم رفع أدوات البناء من مكانها ولكنها أخبرتنى أنها لا تستطيع أن تفعل شيئا فقلت لها هل هناك اعتراض على نقل هذه الأدوات فقالت لا، فقلت لها اذا سأتصرف انا قالت لى ماذا ستفعل قلت لها سوف أجعل الطلاب هم الذين يقومون بنقلها، فقالت لى وهل سيوافق الطلاب على ذلك قلت لها بإشارة صابع وحيد منى سيفعلون  فقالت لى_وهى فى حالة من القلق انتظر وسوف نقوم نحن بنقلها وتم بالفعل خلال أيام قليلة تنحية أدوات البناء من مكانها الى حد ما.

أما المشهد الخامس:

 أنى كنت ذات يوم أسير فى أحد طوابق المدرسة وكان هناك أحد الفصول لا يوجد به مدرسين ويثيرون الضجيج فى المدرسة ولم يستطع الأستاذ المشرف على المدرسة فى هذا اليوم أن يسكتهم فقابلنى وطلب منى أن ادخل اليهم والقى عليهم خاطرة_ وكانت الخاطرة التى يتم إلقاؤها فى الفصول من أهم أنشطتنا الدعوية وكان لكل أخ فصل أو فصلين مخصصين يقوم بالقاء هذه الخاطرة فيها_ وقتها تعجبت من أمر الأستاذ المشرف ولكنى دخلت الى الفصل وحققت له ما أراد.

والحقيقة أنه لم يكن هناك نشاط فى المدرسة إلا ونقوم به من رحلات الى زيارات إلى حفلات ولم نكن نقبل أى طالب أخر غيرنا يقوم بأى نشاط إلا وهو تحت وصايتنا وكان الأخصائيون الاجتماعيون سعداء؛ بذلك فنحن نريحهم كثيرا اذا كانت المحصلة النهائية أن كل شئ فى المدرسة أصبح إسلاميا وإخوانيا.

ان ما حدث فى المدرسة ليس استثناء فالمعروف عن الاخوان المسلمين أنهم فى أى مكان وجدوا فيه يسعون لأخونة هذا المكان ويكأننا فى مجتمعنا هذا أمام ظاهرة هى الأخونة (Ekhwanization) _ وخاصة فى المدارس الثانوية والجامعات_ أن الوقت الحالى للإخوان المسلمين لا يجعل استبداد الأجسام أو استبداد القلوب_الذين أشار اليهما الكواكبى_ متحققين لأنه لا يوجد اتفاق أو تلاقى _ حسبما هو ظاهر لنا_ بين الاخوان المسلمين والنظام الحاكم لكن الواقع أن الاخوان يمارسون استبداد القلوب حتى وان كان بالدعوة الدينية_ وأنا أفترض حسن النية فيهم.   ومن ناحية أخرى فالمستقبل قد يشهد صدق مقولات الكواكبى ويتضافر نوعى الاستبداد معا فإما أن يكون نظاما حاكما من الاخوان المسلمين واما ان يتعاون الاخوان مع النظام ولا غرابة فى ذلك فلعبة السياسة تؤكد أنه لا يوجد شئ مستحيل وهنا لن تنتهى حلقة الاستبداد ولكن هذه المرة سيكون استبدادا مشروعا.

 .. ملحوظة هذا المقال كتب قبيل ثورة 25 يناير بأيام قليلة

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 795 مشاهدة
نشرت فى 8 أكتوبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,527,514

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟