كتب_ عادل نبهان
" من كوارث الفكر الأمنى الذى يحكمنا منذ الستينات فى التعامل مع القضايا السياسية والافكار انه يجعل من الافكار المنبوذة والشاذة عن السياق العام ذات قيمة ماكانت لتحصل عليها سوى لغباء الدولة الامنية .... ولم يكن لبعض افكار القطبية ان تنتشر وماكان للجماعات المتشددة ان تزداد تطرفا وماكان للجماعات ذات الابراج العاجية والافكار الفوقية تجاه مجتمعاتها ان تنتشر لولا ذلك التعامل الغبى .... الجماعة لم تزداد مظلوميتها الا بسبب غباء الدولة وامنيتها ومازال الغباء سيد الموقف نظراً للسلطوية العسكرية المتحكم"
عاش الاخوان كثيراً بفكرهم دون تجديد ملحوظ أو تغيير جذرى ، تواكبوا مع كافة الأنظمة منذ أن قامت الجمهورية وحتى قبل قيامها ولكن مع كل نظام كان له طريقته فى التعامل ولكن المداهنة كانت المبدأ الأساسى لهم ، ولكنهم عاشوا أيضاَ على مبدأ آخر يضاف للحياة السياسية المصرية وهو المظلومية.
فعندما تتحدث إلى صديقك الإخوانى يحدثك أنهم يسجنون ويعذبون وقام نظام الملك باغتيال مؤسس جماعتهم ثم جاء عبد الناصر وقام باعدام قياداتهم ومفكرهم ذو الرتبة الأبرز وصاحب الفكر الأكثر تشدداً فى الجماعة وعلى الرغم من مداهنة السادات لهم الا أن الفكر القطبى الذى تولدت عنه الجماعات الاسلامية دفعهم لقتل السادات ثم واجههم مبارك بالسجن والحبس تارة والموائمة تارة أخرى وعلى الرغم من مداهنتهم مع النظام الأمنى فى عهد حبيب العادلى إلا أنهم لايعترفون سوى بالسجون والمعتقلات التى آوت قياداتهم والمحاكمات العسكرية التى تعرضوا لها.
هذا الفكر الذى عاشوا به نتيجة ماواجهوه ترسخ فى وجدان قياداتهم الحالية " والمأسوف على عمرهم " وبالطبع انتقل لشبابهم مما كان له الدافع الأكبر فى كل مبرر يدفعون به أمام تصرفاتهم وعدم اعتراهفهم بالأخطاء ، وعقب الثورة جاءت الجماعة إلى البرلمان وكانت من ضمن دعايتها على الأرض المقولة الشهيرة بأنهم ظلموا " بضم الظاء " كثيراً ومنذ 80 عاماً يحاربون ويواجهون الإقصاء وبالفعل استطاعوا الدخول للبرلمان بنسبة غير تلك التى ادعوا الرغبة بها " وهو أمر غير هام لأن الجميع متاح له الحراك والدخول فى الحياة السياسية تحت بند الحرية التى أردناها " وعندما كان يتم توجيه النقد لهم بعدم إصدار قانون أو آخر " ليس معنى ذلك عدم اصدار قوانين جيدة مثل المرأة المعيلة " لكنهم كانوا يتحججون بأن المجلس العسكرى " الذى داهنوه وتحالفوا معه " هو الذى يعيقهم عن تلك القوانين.
ثم جاء حل البرلمان وادعوا ان القضاء ضدهم ومتآمر عليهم وذلك على الرغم من موافقتهم بإمضاء محمد مرسى ذاته حينما كان رئيساً للحزب على البيان الجماعى بخصوص قانون انتخاب المجلسين ، ثم جاؤوا بالرئاسة " وهو ماكنا نأمل به الخير " وادعوا تحالف الجميع ضدهم " وهو ماكان نسبياً صحيحاً " ولكنهم لم يقدموا شيئاً سوى المواجهة بالانتحار فى مواجهة الكل حتى خسروا من تحالف معهم منذ 30 يونيو 2012 ووجدوا أنفسهم أمام مطالبات بالخروج المبكر ، واستمروا فى ادعاء التآمرية عليهم ولكنهم أيضاً لم يقدموا شيئاً ملموساً " سوى خطابات العشوائية والمهرجانات " ، وقبل 30 يونيو أدركت القيادات بأن التحالف المضاد لهم بعد انضمام مؤيديهم السابقين لهذا التحالف أن اللعبة قد انتهت ومصيرهم الخروج ولكنهم وضعوا تصورهم النابع من نفسية حبيس السجن التى ترسخت فى مجدانهم عبر العقود السابقة وأطلقوا الصافرة بدخول اللعبة الصفرية وهو ماكانت نتيجته حتمية لأن الفارق واضح فى موازين القوى والأخذ بالأسباب.
وجاءت بالفعل النتيجة الصفرية كما كانت متوقعة ولكن تلك القيادات أصرت على استكمالها للحصول على مظلمة جديدة ، وذلك فى ضوء الفكر الأمنى الذى يحكم البلاد منذ العهود القديمة وحتى يومنا هذا ، وجاء الاصرار باعتصام لن يكون من ورائه سوى كسب الوقت إما للحصول على أوراق خروج آمنة أو التضحية والحصول على المظلومية الجديدة لتضاف إلى سابقيها ، وهو ماكان لهم بغشاوة وعنف وتخلف الادارة المصرية الحالية التى تحكمنا بالفكر السلطوى العسكرى الاستبدادى فى صورته المجملة بنكهة الستينات فجاءت مجزرة رابعة والتى كانت من أبشع الحالات فى التاريخ المصرى الحديث للتعامل الأمنى ، وبالفعل حصلت القيادات على تلك المظلومية وانساقت ورائها جماهيرها وأصبح المحرك الأساسى للجماهير المؤيدة لهم هو الثأر لمن مات فى الاعتصام والتخلص من حكم العسكر " الذى مجدوه سابقاً " ويستمر الوضع إلى يومنا هذا باشارات الأصابع الأربعة وصور من انتقلوا إلى الرفيق الأعلى وحكايتهم وسلوكيتهم المحترمة ،وهو أمر حقوقياً له ما له وحرمة الدم لها ما لها للكل دون تمييز كما كان يفعل من يفعل سابقاً ، أما سياسياً فاللعبة كانت واضحة ونتيجتها حتمية اذا كان السلوك هو ذاته الذى سيستمر....
عبرات التاريخ تقول أن الفكر القومى والدولتى ينتصر عليهم نظراً لاعتمادهم على المظلوميات وليس على بناء الثقة والعملية السياسية السليمة ، التاريخ يقول أنه على الرغم من الاعدام " المرفوض " لامامهم " سيد قطب " ومواجهتهم مع ناصر ومبارك إلا أنهم خسروا ، واذا كانت الشعارات التى يستغلونها يعتقدون أنها تجدى فلن تجدى مهما استمرت تلك القيادات " المجرمة " فى غبائها المستمر فى مواجهة سلطات قمعية كالحالية .
الحلول وان كانت مثالية فى ضوء الغباء المستحكم الذى يسيطر على إدارة هذا الكيان إلا أنه لزاماً أن تذكر وهى يمكن أن تكمن فى مسارين :
الأول : بخصوص الأحداث الجارية وهو الخروج من عباءة رابعة لأنها لن تجدى سوى العودة للوضع القديم ويظل الاخوان الجماعة المظلومة وننتظر ستين عاماً آخرين لنراهم فى البرلمان بعد نفس السلوكيات فى المداهنة والمشكوك فى البدء بها حالياً ، ثم يتبع ذلك البدء فى الاصطفاف حول من مازلوا لديهم مبادئ مشتركة من الحالات الفردية حول رفض حكم العسكريين للمدنين والضغط حول التعديلات الدستورية بما لايسمح بتأكيد العودة للخلف كما يحدث حالياً ، ثم الدخول فى الضغط حول قوانين الانتخابات والاندماج مجدداً فى العملية السياسية .
الثانى : أن تخرج القيادات الشبابية البعيدة عن ذات المنهج الذى تتبعه قياداتها وتقوم بإجراء المراجعات الفكرية لمنهج الامام البنا ومنهج الاستاذ سيد قطب ثم تعرضه للكافة وتبدأ بالفعل فى تطبيقه بعيداً عن سلوكيات الجمعيات الخيرية وتكوين الانتماء الشعبى بناء على العطف والاحسان وانما يجب أن يكون على الفكر المتجدد والمتواكب فعلياً مع العصر الحالى ، وتعرض لنا أفكاراً وسطية بالفعل تتماشى مع الدين كما يدعون زيفاً فى بعض أفكارهم الحالية والمقصودة بالتجديد.
وفى النهاية فلايمكن أن يندثر فكراً إلا نتيجة استمراره على نفس النهج دون تجديد ودون مواكبة حقيقية وليست مداهنة وقتية ، والفكر لايواجه إلا بالفكر أما المواجهه بالقمع فلن يزيد هذا الفكر " حتى وان كان كارثياً " إلا تعنتاً واستمراراً دون تصحيح لمساره .... فاستقيموا يرحمنا ويرحمكم الله.
ساحة النقاش