كتب :خالد عيد
ألقيت سمكة شاردة فى الطاسة أو (المقلاة) بالفصحى فنصحها زملائها فى المقلاة بالقفز من فوقها كى تنجو , وبالفعل وثبت السمكة من فوق المقلاة فوقعت على النار اللاهبة أسفلها !
من الحكاية السابقة نجد ان السمكة لم تكن لتقفز ألا لنصائح زملائها , واما لحاجتها الملحة الى القفز واستحالة الاستمرار فى الطاسة , وفى كلا الحالتين لم تخطىء السمكة فى نواياها , ولكن الخطأ فى سوء التقدير وفقر الخيال او عدم التفكير المسبق حول وجود بر امان خارج الطاسة من عدمه .
فى 25 يناير انتفض قطاع من الشعب اخذ يزداد ويتوسع بعد انتشار الفكرة وتحمس الكثيرون لها , او لأجل ضمان كسب ثمارها . اخذ الثوار يدوى صراخهم الذى نما من جوف المعاناة الشديدة والفساد المستشرى فى المجتمع , ثم اسقط الشعب نظاما كان قد انتفخ فلم يحتمل عناء المقاومة كثيرا , هدأت الاحوال قليلا بعدما سلم الشعب جوهرة ثورته الى المجلس العسكرى الذى حكم فترة انتقالية والتى اتسمت بالتوتر والارتباك , فتحركت القواعد الثورية من جديد احتجاجا على الاستبداد الجديد الذى مارسه المجلس العسكرى وارتكابه لجرائم ادت الى استشهاد الكثيرين من شباب الثورة فى احداث : مسرح البالون , وماسبيرو , ومجلس الوزراء , وكشوف العذرية , وهى الجرائم التى لم يحاسب فيها احد الى الان . ومع الضغط المستمر والمستميت من الثوار اجريت انتخابات رئاسية غير مكتملة النزاهة والشفافية بل شابها الهرجلة فأعلن عن فوز مرشح قبل الاعلان الرسمى عنه , فضلا عن عدم البت فى طعون مقدمة من قبل مرشحين اخرين الى الان .
فاز الدكتور مرسى برئاسة الجمهورية فى الجولة الثانية من الانتخابات بعدما قمات بمساندته القواعد الثورية وعاصرى الليمون نكاية فى شفيق التابع الى الدولة المباركية , مع وعود مرسى والاخوان بالتوافق حول اهداف الثورة والعمل على تحقيقها , ثم تفاجأنا بأخلال مرسى والاخوان بوعودهم بعد سنة كاملة من حكمهم والذى وضح انه لم يعمل على تطبيق اهداف الثورة على قدر ما كان يعمل على تطبيق اهداف جماعة الاخوان ! . فسقطت شرعية مرسى عند الشعب والقواعد الثورية بعد اعلانه الدستورى الاستبدادى والديكتاتورى الذى اصدره والذى حصن قراراته وجعلها فوق القانون , ثم سقطت شرعيته ايضا على باب قصره الذى اختلط وتلوث بدماء الشهداء حينما تهجموا اخوانه على المعتصمين السلميين امام القصر .
انتفض الشعب مرة اخرى_بعد تحذيرات ومحاولات للتوافق لم تثمر عن شىء_ فى موجة ثالثة من الثورة فى 30 يونيو فنزلت الملايين واسقطت نظام مرسى الاستبدادى بعد تدخل القوات المسلحة والفريق السيسى لعزل مرسى استجابة للمطالب الشعبية التى دامت لأربعة ايام تملأ ميادين مصر بعد اهدار مرسى كل الفرص التى اتيحت له .
والان .. نقبع فى ظل المرحلة الانتقالية الثانية وفى ظل ارتباك وتفكك شديدين , ولكن الخطورة تكمن فى بوادر وامارات تخبط واضح واستبداد جديد نامل الا يسطع كنور الشمس ويتلاشى قريبا . وبوادر البعد عن الثورة هى كالتالى : اولا .. تنظيم قانون مكبل للحريات ومخرس للألسنة يسمى مجازا بقانون حق التظاهر , وهو قانون يشى بقرب تكوين نظام قمعى , فينص على منع الاعتصامات , والتظاهر بأذن وهو شىء مؤسف بالنسبة لمجتمع ظل يناطح لثلاث سنوات الفساد , فظهور ذلك القانون اشبه بشىء فكاهى .
ثانيا : اعادة ضباط امن الدولة الى اماكنهم مرة ثانية بحجة احتياج الدولة لمجوداتهم , بعدما اطاحت بهم الموجة الاولى من الثورة , فالنظام الذى يحتاج الى جهود جهاز كهذا لابد وانه نظام قمعى قررنا جميعا ان نواريه التراب , فضلا عن القبض على شباب الثورة بلا اى داعى ومحاولة تشويه الثورة وتشويه رموزها .
ثالثا : عدم فتح تحقيق واضح الى الان من لجنة مستقلة لتوضيح الحقائق بكل شفافية فى الوقائع والاحداث الاخيرة . رابعا : الجدل الدائر حول ترشح الفريق السيسى من عدمه وتصريح بعض القواعد الثورية وحركة تمرد عن دعمها للسيسى اذا ما ترشح للانتخابات الرئاسية , وكان احدا لم يطالب من قبل وجف حلقه من اجل مناداته لحكم مدنى للبلاد وعدم اشراك العسكر مرة اخرى فى الحياة السياسية .. فنحن نريدها دولة مدنية لا عسكرية ولا دينية .
رابعا : صدور قانون الانتخابات والذى جاء ينص على تحصين لجنة الانتخابات وقرارتها , مما يفتح الباب للشك فى نزاهة الانتخابات قبل ان تبدأ , فضلا عن تهديد ذلك لبطلان الانتخابات برمتها فيما بعد لان قرار التحصين مخالف صراحة للدستور الذى نص على عدم تحصين اى قرارات ادارية , وهو ما يضعنا فى مأزق جديد وحالة من الضبابية تخص منصب الرئيس , ومن المثير للدهشة والريبة ان المستشار عدلى منصور كان اول من يرفض فكرة تحصين لجنة الانتخابات , مما يجعلنا نفكر جديا فى مسألة صاحب القرار داخل مؤسسة الرئاسة وهل هو الرئيس عدلى منصور ام انه واقع تحت ضغط وليس فى يده القرار ؟
والسؤال هنا ك الى متى ستستمر السمكة على هذا الوضع ؟ والى متى سيتم حصارها بين خيارين اما الرقود فى الطاسة الملتهبة واما القفز الى النار المشتعلة ؟ . بالطبع هناك مخرج ثالث أمن يجنبنا الاحتراق , ولن يأتى ذلك ألا بالتوحد والالتفاف حول مطالب الثورة التى طالما نادينا بها , وترك المصالح الشخصية جانبا واعلاء المصلحة الوطنية وابقائها فوق كل شىء , نحتاج الى روح ثورية تثمر لنا قرارات ثورية استثنائية , فلا يد مرتعشة تستطيع ان تحمل جوهرة الثورة وتحتفظ بها و فلتكون تلك هى فترة تمكين الشباب الذين يحملون وقود الثورة فى قلوبهم وعقولهم , فهو القادر وحده على ان يحمل تاج الثورة ليضعه على رأس الشعب .. فأ ن الاوان للسمكة ان تنجو وتصيب فى وثبها بر الامان .
ساحة النقاش