كتبت :يسمه توفيق

أمام المرآة الطويلة في غرفة نومها ، وقفت (نسرين) تتأمل نفسها في فستان الزفاف الأبيض في تجربتها الأخيرة له قبل الفرح ببضعة أيام ، حينذاك وقعت عيناها على انعكاس الصورة الكبيرة الوحيدة المعلقة على الجدار خلفها .... صورة  طفل برئ  شاركها المرآة  دائماً ليذكرها بما قضت أياماً طويلة تعمل على تجاهله ونسيانه خلف قناع من المرح العصبي والضحكات العالية وارتداء المعاطف الجلدية والجينز والأحذية الرياضية  وإصرارها الدائم على ركوب  الدراجة البخارية ذهاباً واياباً من العمل رغم اعتراض أمها وأخيها الأصغر ...   ليذكرها بأنها أثنى ، فتاة تقترب بعنف من جحيم الثلاثين بلا زواج  وليوقظ داخلها تلك الصرخة المدوية التي لم يسمعها ولم ترد عليها سوى دموع قلبها

                           أريد أن أكون أماً ! 

قطعت أفكارها دقات هاتفها المحمول المعلن على شاشته عن اسم (حسين) خطيبها ، فأشاحت عنه بوجهها في حالة من اللاشعور ثم ردت : ألو.... وعلى الطرف الآخر جاءها صوته محملاً بنبرة اعتذار عن الخروج معها اليوم لأن لديه عمل هام كلفه به مديره و استطرد : أنا في الشارع منذ الصباح الباكر والزحام خانق اليوم سامحيني يا حبيبتي وبعد أن تقلصت معدتها وعضلات وجهها وبذلت مجهوداً خرافياً لانهاء المكالمة قال هو بالعربية الفصحى .....السلام عليكم ، و أُغلِق الخط بينهما ...كانت تشعر أنه يكذب  بل كانت متأكدة فهو دائماً يكذب على مديره وزملائه ... يكذب على الجميع عندما يكون معها يخبر مديره أنه في الطريق إلى العمل ، وعندما يكون على مائدة الطعام يخبر صديقه أنه في الطريق إليه وبالمنطق هي متأكدة أنه في منزله الآن كما أنها متأكدة أنه لا يحبها تعرف ذلك وتحسه دائماً فهو  لا يرى منها سوى جسد جميل وشعر أجمل يصفه دائماً بالليل الطويل ويعطيه كل كلمات الغزل والحب ، في هذه اللحظة تركت العنان لتاجها الأسود أن ينساب على كتفيها وظهرها في حرية ووجدت دموعها تنهمر مع اعصار الذكريات الذي هاجمها بلا رحمة .

"انها فرصتك الأخيرة بعد فسخ خطبتك للمرة الثالثة " فكري وقرري ولا تتعالي فقد مر زمن طويل والخيارات تقل  وفي النهاية أنتِ حرة هكذا قالت لها أمها منذ ما يقرب من شهرين وقبل خطبتها بأيام ....تذكرت خطابها السابقين لحسين تذكرتهم ظلالاً بلا ملامح  دخلوا إلى حياتها   الأول كانت تشعر أنها ستتزوج أمه معه ، والثاني كان بخيلاً على نحو لا يُطاق ، أما الثالث فهو خائن نعم خائن كان خطيبها وحبيب لأخرى وعشيق لأخريات وشت به إحداهن عندها ، وقد أرسلت للثلاثة خواتمهم غير نادمة رغم ما كانت تواجهه من عواصف النقد اللاذع من أسرتها والتلاسن بشأنها بين القريبات والنسيبات والشفقة التي كانت تقرأها في أعين الغرباء فضلاً عن أنها بجمالها وأناقتها  ولباقتها صارت خطراً على كل ذات زوج  من صديقاتها وهكذا فرض عليها عدم الزواج حالة من العزلة كانت تقاومها بالتقدم في العمل والدراسة والاعتناء بنفسها خاصة شعرها وبث حنانها لجدتها داعمها الوحيد في البيت وربما في كل العالم المحيط بها ، والتي رحلت إلى بارئها  منذ ثلاثة أشهر ففقدت (نسرين ) توازنها على نحو مخيف وقبلت خطبة (حسين) باعتباره فرصتها الأخيرة لكن لماذا يعتبرها  الجميع فرصة للحياة ؟ ووحدها تحس  إنها فرصة لموتها وهي قيد الحياة ، لماذا لايسمعون صوت جدتها الحنون وهي تقول أن كل شئ في الدنيا نصيب وأن لكل شئ أوانه ؟ وبنبرة عالية وحازمة قالت (العروس) وهي بعد أمام المرآة بفستان الزفاف عاري الكتفين مفتوح السحاب : إذا كان لابد أن أموت فليكن ذلك  بيدي لا بيد (حسين) ولا بأيديهم قالتها بعينين دامعتين غير مكترثة بارتفاع رنين هاتفها المحمول الصادح معلناً عن متصل آخر اسمه  (مجدي) تجاهلت نسرين حتى النظر إليه  ......وأمسكت بالمقص لامع النصل  !

تتبع .....

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1377 مشاهدة
نشرت فى 8 مارس 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,545,860

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟