كتبت :إيمان زهران 

الاخر هو انت ؛ هذه الجملة لو أمنت بها لقبلت بكل من هم حولك . عامل الناس كما تريد ان يعاملوك ؛ لا تطعن بدينهم او عرقهم او جنسهم او حتى فكرهم لانك مؤكدا ترفض ذلك لنفسك ؛ فأعتبر نفسك " الاخر " لوهلة واحدة .

عندما انادى بقبول الاخر لا اعنى مطلقا قبول الظلم على اعتبارة " الاخر "؛ لا فأنا انادى بالحكم على الافعال  فقط وليس على الجنس ولا على العرق  ولا على الانتماء ولا على الدين . فمن الملاحظ بالتعامل مع الجهلاء أنه كلما طرحت فكرا جديدا او فعلا مغايرا للمعتاد بدأت سلسلة الاعتراضات والتوبيخ ولا يمنع من التكفير او التشكيك فى معيار الانتماء.

كذلك رفض الاخر قد يكون حسدا او خوفا  او حقد او قد تكون كراهية بدون سبب واضح ؛ المهم انة مفيش سبب وجية ومنطقى ومعقول .

الاخر  ليس انسانا فقط ولكن رأيا فى بعض الاحيان او فكرا او رؤى او طرح  وقبولك بية لا يعنى اعتناقك لتلك الفكرة او ذلك المذهب وانما هو مبدأ الديموقراطية الراسخة للنقاش وللتفاعل وليس التناحر والتقاتل . وليس من المهم ان ينتصر رأى واحد فى النهاية  فأنت تثق برأيك تمام الثقة  ؛ وقد ينتهى النقاش بحصيلة اراء مختلفة تعبر عن وجهات نظر عديدة ... لا يوجد مشكلة فى ذلك .

إعتناق الافكار والترويج بأساليب حضارية  لها من سمات الانسانية الناضجة الحضارية وليس الغوغائية التافهة ؛ اختلاف الرأى لا يعنى العداء بل يعنى الاتفاق ان هناك منظورات مختلفة لمعلومة واحدة وكل انسان حر فى اعتناق الفكر الذى يتلائم مع افكارة وتوجة .. يعنى مثلا ؛ انا شايفة ان العلمانية تفاعل ثقافى مناسب لمرحلة ديموقراطية حقة وسليمة ؛ اخر يرى ان الفكر الدينى هو الاصح لبناء دولة.فالاختلاف لا يعنى العداء بل يعنى ثراء الافكار والتنوع هو اساس التحضر والتنمية  وقبول الاخر هو اساس الديموقراطية و الحرية .  

بالمقابل ؛ تحديد الأخر وبناء الحدود لذلك الأخر . لكن يجب أن نسأل أولا من لة صلاحية بناء الحدود للأخر ؟خاصة وأن فكرة الأخر تتطلب الإيمان بحرية الرأى والإيمان بإمكانية صحة رائية ومن ثم هناك مساحة من الهوامش لتبادل أراء الأخر .

الحدود للأخر قد يجدها البعض أشبة بالصراع الداروينى ما بين الأفكار والصورة المبنية على مبدأ أخلاق السادة وأخلاق العبيد . أى أن ذلك الصراع هو الذى يحدد مجموعة القيم والآراء التى تسمو فى مجتمع ما فى زمن ما . أى بالمجمل عدم تقبل الرأى المعارض المتمثل بالأخر دون النظر إلى إمكانية الإستفادة من ذلك الرأى ؛ ولكن المعيار التام هو عدم التوافق بقوالب دوجماتية .

الأساس والسائد فى المجتمعات الإنسانية المتحضرة والتى تصبو نحو الديموقراطية الحقيقية وليس ما يروج للإستهلاك المحلى أنه عن طريق التواصل تتكون المعرفة ويزداد تبادل الخبرات وتغنى التجارب لدى الأفراد، وتزول الأفكار السلبية التي ترتبط بذهن الإنسان عن غيرة دون معرفته، فإذا عرفت الآخر فإنك ستأخذ منه وسيأخذ منك فالعملية متبادلة والعلاقة ستكون علاقة تكافؤ فالمعادلة أنت وهو، وهو وأنت وليس انت فقط او هو فقط .. المعاملات الإنسانية لا تبنى على النظريات الصفرية فدائما هناك مساحات مشتركة .

وهنا ننتقل لإشكالية التحيز فكيف يمكن أن أكون متحيزا لما لدي وأتقبل الأخر بل وأؤثر فيه ويؤثر في أيضا ؟!، فلكل فرد الحق في التحيز لما لديه، ولكن هذا لا يمنع من احترام ما لدى الآخرين وفهمه ورؤيته للأمور من منظور الآخر وتجربته، وبهذا يزداد الإحساس والشعور والتعاطف مع الغير، وهذا يعني جانب القوة في الذات، فالآخر لا يهددني ولا يمحو وجودى ، بل يكملني لأن ثقتي بما لدي كبيرة والأخر المجهول أصبح معلوماً بفضل معرفته والتقرب منه وفهمه.

 الحضارة الإنسانية بنيت وقامت نتيجة تقبل الأفراد لبعضهم ونتيجة توجيه العقل البشري من خلال التقارب لما فيه خير لمصلحة الإنسان بعيدا عن التعصب الأعمى وتأجيج الصراعات وإلغاء الآخر الذي لا يمكن إلغاءه لأنه موجود بالفعل. وبهذا يشعر الفرد بالرضا والتسامح والمحبة، ويبتعد عن الحقد والكرة وتزداد فرص النجاح وإستكمال البناء.

أخيرا.. ولأن الشباب هم اللبنة الأساسية لبناء المجتمع فلا بد أن تكون هذه اللبنة متقبلة لفكرة التعددية والتنوع كي تكون واعية وقوية وداعمة لهذا البناء. ولنا أن نتذكر قول سارتر حول أن الآخر هو وسيط بيني وبين نفسي، وهو مفتاح لفهم ذاتي والإحساس بوجودي  .. لك أن تفهم وتستوعب أن الأخر ببساطة هو أنت...

 

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1349 مشاهدة
نشرت فى 14 يناير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,525,718

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟