كتب محمود المنياوي -
كان حصوله على جائزة نوبل للسلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005، بداية لكي يتعرف المصريون، خاصة البسطاء منهم، على الرجل المصري الحاصل على هذه الجائزة الرفيعة بعد أن غابت عن مصر طويلا، حينها نظر المصريون بعين يملأها الإجلال والتقدير للبرادعي الذي سيصبح في غضون سنوات قليلة محل جدل كبير. واعتقد الكثيرون وللوهلة الأولى أن البرادعي عالم في الذرة لأنة حصل على الجائزة بصفته رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية وظل هذا الاعتقاد سائدا حتى فبراير (شباط) 2009، عندما أعلن البرادعي، الذي بدأ حياته المهنية موظفا في وزارة الخارجية المصرية، عزمه الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، عندها فقط تحول «المولد» الذي نصبه نظام الرئيس حسني مبارك لتكريم والاحتفاء بالمصري الثالث الحائز «نوبل» والثاني الذي حصل عليها في السلام، إلى حلبة مصارعة مليئة بالضباع للهجوم عليه وعلى كل من يناصره أو يؤيد آراءه السياسية، وصلت إلى حد التجريح والإهانة له ولأسرته.
إنه محمد مصطفى البرادعي، ذلك المصري الذي تدرج في المناصب الدبلوماسية داخل وزارة الخارجية المصرية منذ أن التحق بها في عام 1964، حتى صار ممثلا لبلاده في بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف، وشغل قبلها منصب مساعد لوزير الخارجية إسماعيل فهمي ثم أصبح مسؤولا عن برنامج القانون الدولي في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث سنة 1980، كما كان أستاذا زائرا للقانون الدولي في مدرسة قانون جامعة نيويورك بين سنتي 1981 و1987، فهو حاصل على الدكتوراه من جامعة نيويورك سنة 1974 في القانون الدولي، ومن خلال عمله بالمنظمة الدولية التحق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 1984 حيث شغل مناصب رفيعة منها المستشار القانوني للوكالة، ثم صار مديرا عاما مساعدا للعلاقات الخارجية عام 1993، حتى عُين رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية في 1 ديسمبر (كانون الأول) 1997 خلفا للسويدي هانز بليكس وذلك بعد أن حصل على 33 صوتا من إجمالي 34 صوتا في اقتراع سري للهيئة التنفيذية للوكالة، وأعيد اختياره رئيسا لأربع سنوات ثانية في سبتمبر 2001 ولمرة ثالثة في سبتمبر 2005، وبعدها بشهر واحد حازت الوكالة ومديرها «نوبل» اعترافا بالجهود المبذولة من جانبهما لاحتواء انتشار الأسلحة النووية، وتبرع البرادعي بنصيبه من الجائزة إلى دور لرعاية الأيتام في مصر.
ولكن البرادعي، الذي حصل بعيدا عن «نوبل»، على الكثير من الجوائز الأجنبية وعلى وشاح النيل من الطبقة العليا، وهو أعلى تكريم مدني مصري، عاد لبلاده باعثا الأمل في التغيير وبعد أن نجح في الخارج طويلا عاد للقاهرة، كأبرز الوجوه الذين دعوا للتغيير وأسس «الجمعية الوطنية للتغيير»، إحدى الحركات السياسية، وكان صوته البداية للصرخة التي هزت عرش الحكم في مصر، فالتف حوله الشباب وكان أيقونه لثورة «25 يناير» ولم يكتفِ حينها بالحديث ولكنه نزل مع أنصاره من الشباب إلى الشوارع والميادين للمشاركة بقوة في الثورة على نظام الرئيس المصري السابق.
وبعد نجاح الثورة في إسقاط نظام مبارك وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم في البلاد، أعلن البرادعي في الحادي عشر من مارس (آذار) الماضي نيته الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة، وسار خلال المرحلة الانتقالية مدافعا عن أفكاره حول مدنية الدولة حاملا آمال وهموم المصريين البسطاء الذين رغبوا في أن تبنى لهم دولة العدل والمساواة بعد أن أسقطت دولة الظلم والاستبداد، ولكن البرادعي الذي لم تنجح حملة نظام مبارك الإعلامية في تشويه صورته ولم تنجح الولايات المتحدة في إسقاطه من الترشح لولاية ثالثة كرئيس لوكالة الطاقة الذرية بسبب رفضه التساهل معها حول غزو العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل بها، يتعرض الآن لموجة جديدة من الانتقادات من بعض التيارات السياسية التي ترفض مدنية الدولة وتعتبر البرادعي رمزا لها.
والبرادعي الآن يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية للشئون الخارجية والعلاقات الدولية ولعب دروا كبيرا في ايضاح حقيقة أن ما حدث في 30 يونيو ثورة شعبية أيدها الجيش لما له من علاقات واسعة إلا أن التحدي الذي يواجة البرادعي الآن هو تحقيق ما يطلبه منه وما يطمح إليه مؤيدوه في دولة مدنية تحترم القانون والمؤسسات وهو التحدي الذي يظل أملا للجميع وينتظر الكثير ما سيفعله البرادعي.
ساحة النقاش