كتب :هانى كشك

حينما تنسدل ستائر الليل يسجد المؤمن لربه طالبًا مغفرته ويستتر اللص بظلامه يتحين لحظة ينقض فيها على فريسته و يأوي العامل إلى فراشه ليستريح من عناء العمل في نهار يوم طويل ولكن عمران و أمل لهما رأي أخر في الليل فهو بالنسبة لهما ملتقى العشاق و ما أحلى الليالي التي تطول فيها المكالمات التليفونية فيظل صوت كلاً منهما عالقًا في خيال الاخر.

وحينما تطرق الشمس باب نهار جديد ينشغل المؤمن بأذكار الصباح و يتوارى اللص مخافة أن يعرفه أحد فيقبض عليه ويستعد العامل ليبدأ يوم عمل جديد ولكن عمران و أمل لهما رأي اخر في النهار فما أجمل أن يرى كلاً منهما الاخر فيشعر بالشوق وقد أصبح ملء العيون تكفي النظرات فهي أبلغ من الكلام .. عندما يتقابلان يكفي دفء الايدي في السلام .. يكفي الصمت في حضرة المشاعر البريئة.

بالأمس كان عمران يتذكر لها أجزاء من الرواية التي يقرأها ويردد لها النصوص الرقيقة وأتفقا معًا على قراءتها فى اليوم التالي . كانت الرواية رومانسية و ممتعة ولكن مدرج المحاضرات ليس هو المكان الطبيعي لقرأتها ... أشار اليها بسبابته على كلمة ( أحبك ) فأشارت إليه بالخنصر على كلمة ( و أنا أيضاً ) فوضع لها خطاً أسفل كلمة ( حياتي ) فصنعت بقلمها دائرة صغيرة على كلمة ( عمري ) ... الان إقتنعا بأن الرواية تمس قلبهما الصغير ويجب أن يكملاها معاً ... فخرجا من المدرج غير عابئين بمن حولهما.

يبدو إسم عمران غير ملائم لهذا الزمان فلم يعد أحد يطلق هذا الاسم على أولاده وهو بالفعل كذلك فهو لم يقابل طوال فترة دراسته زميل له بهذا الاسم من الممكن أن يكون قد قابله كأسم لوالد أحد اصدقاءه أو جده و لكن زميله من الصعب بل من المستحيل فهكذا بعض الاسماء تبدو أحيانًا مثل الموضة تنتهي بنهاية عصر وتظل فقط في كتب التاريخ . والدته هي التي أصرت على هذا الاسم فقد رزقت الخلفة بعد أكثر من خمسة عشر عام من الزواج طرقت فيها أبواب الاطباء وذهبت هنا و هناك ولكن بلا جدوى . كانت والدة زوجها تنظر اليها كالصحراء الجرداء لازرع ولا ماء هكذا رمال صفراء السراب فقط هو الذي يسيطر عليها كانت تتمزق مع هذة النظرات كل يوم الى قطع صغيرة تشتاق كل قطعة فيها الى الامومة .الم يكن الدعاء أفضل من تلك النظرات ؟ كثيراً ماكانت تسمع همسها في أذن ولدها ليتزوج من أخرى فتنجب له الولد فيرثه ويكون امتدادًا له فيدير شركته ويزيد الثراء ولكنه كان يرفض حتى ان الهمس احيانًا كان يتحول إلى مشادات بينهما و هى تقف من وراء الباب تبكي فى صمت وتشعر أنها بلا حول ولا قوة ماذا تفعل ؟ فتذهب لتصلي و تطيل السجود و

الدعاء حتى انها لاتشعر بزوجها وهو يصلي بجوارها ايضًا بالتأكيد كان يدعو نفس الدعاء ( اللهم ارزقنا الذرية الصالحة ).

هل كانت تكره والدة زوجها ؟ لا ... كانت تعلم أن ( أعز الولد ولد الولد ) وهي سيدة قد أصابها الشيب وتقدم عمرها وكل امانيها أن ترى لأبنها ولد تقبله على جبينه ثم تلقى ربها. ولكنها ماتت قبل أن يأتي عمران إلى الدنيا . فلما جاء عمران أصرت والدته على هذا الاسم فقد أعاد الربيع إلى حياتها وزادت صلتها بزوجها الذي وقف بجوارها كل هذة السنوات ينتظر ايضًا ولده ورفض إغراءات والدته بالزواج من أخرى .

عمران سر الحياة . الابتسامه تعلو شفتاه وهو طفل وهو صبي وهو شاب . لم تكن تراه إلا عمران .. وهل تكتمل الحياة وتزدهر بدون إبتسامته .. بدون عمران. لن تنسى أول يوم له عندما كان يحبو على الارض ثم فجأة وبدون أي مقدمات قام ووقف وبدأ المشي ويمد يده إليها تشابكت في هذة اللحظة نظرات العيون ولمعت عينها قبل أن تضمه إلى حضنها وتدور وتدور وتبكي فرحًا وتردد ( كبرت يا عمران بقيت تمشي ) .

هي تحب عمران بلا شك فهو ولدها الوحيد الذي جاء بعد صبر وطول إنتظار ولكنها لاتحب أمل. هي لاتغار منها ولكنها لاتحبها ولعل أمل كانت سبب اضطراب العلاقة بينها وبين عمران فكثيرًا ما كانت تدخل إلى غرفته وكانت تظن أنه يذاكر فتجده يتحدث اليها فى الهاتف فتشير اليه بيدها ان ينهي المكالمة فيشير هو الاخر بيده اليها بالصبر . وتكرر الدخول فتجده لازال يتحدث فتكرر إشارة يدها فيكرر هو الاخر ما فعله فى المرة الاولى.

لم تكن قد رأت أمل ابدًا فقط تسمع عنها في حديث إبنها الذي لايخفي انه يحبها ويرغب أن يتقدم اليها بعد الحصول على شهادته الجامعيه ليخطبها. لم يكن والده يمانع في هذا بل كان يرى أن الزواج المبكر أفضل بكثير للشباب خاصة وهو يستطيع الباءه كما أوصى رسول الله وهي ايضًا لاتمانع فى الزواج المبكر ولكن لماذا أمل ؟ هل هي جميلة ؟ هل تطمع في أموال والده ؟ ما الذى تعرفه عن أمل إلا حديث عمران عنها وحبه لها ؟ شىء اخر عرفته عندما وجدته مهمومًا فى يوم من الايام

* ولدى .. لماذا أنت حزين ومهموم ؟

* لاشىء.

* تبدو على غير طبيعتك.

* أبدًا . والد أمل في المستشفى وسيجري عملية.

حاولت أن تبدو طبيعية و هي تقول

* إن شاء الله سيخرج بخير.

* سأذهب غدًا للمستشفى للأطمئنان عليه . إنه يحتاج إلى نقل دم وسأتبرع له.

صمتت وحاولت أن تبدو طبيعية مرة أخرى وهي تقول

* تتبرع له ؟ ولماذا لاتتبرع له أمل ؟

* أمل لن تستطيع أن تتبرع له ؟

* لماذا ؟

تتبع ......

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1046 مشاهدة
نشرت فى 10 يناير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,479,079

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟