كتب_ خالد عيد

المواطن _أي مواطن_ التصنيف الأول له هو إنسان بغض النظر عن أي شيء آخر، يأتي بعدها التصنيف الثاني الذي يعرف بماهية الإنسان نفسه؛ نوعه، ديانته، موطنه..إلخ، أي أن لابد لكل إنسان ان يصبح له تصنيف معين ما يعرف بالبيانات الشخصية له والتى تندرج الان تحت مسمى ؛ البطاقة الشخصية .

اذن فكل شىء لابد له من تعريف يحدد ماهيته الخاصة ، فما بالك بالدولة التى يعيش الموان بداخلها ؟ أليس من الواجب والضرورى تحديد ماهية واسس الدولة ، وهو ما يتم تسميته الان فى كل دول العالم ؛ الدستور . فى مصر اول دستور تم كتابته كان خلال عهد الخديوى توفيق فى عام 1882 بعد ان شهدت البلاد نضالا واسعا من قبل الشعب المصر حتى انتهى بأصدار دستور للبلاد _التى كانت تقع تحت الاحتلال الانجليزى فى ذلك الوقت _ لكن السلطات الانجليزية ما لبثت ان ألغته حتى تم صدور الدستور مرة اخرى عام 1923 وبعد معارك بألغاءه ثم بأقراره مرة اخرى ، ثم تلاه اعلانات دستورية مختلفة فى عام 1953 الى 1956 ، ثم اقرار دستور اخر عام 1971 ثم تعديلاته التى تتابعت حتى 2005 . وبعد قيام ثورة 25 يناير المجيدة انعقدت لجنة لعمل تعديلات دستورية استفتي عليها الشعب فى 19 مارس 2011 وتم الموافقة عليه من قبل الشعب المصرى . فى عام 2012 اصدر (سيء الذكر) محمد مرسى اعلانا دستوريا ديكتاتوريا يمكنه من السلطات الثلاثة ؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية ، ومنحه سلطة اكبر منهم جميعا . وبعد جدل وحوار استمر لستة اشهر حتى انتهت اللجنة الدستورية من مشروع دستور 2012 بكل مساوئه وانحرافاته عن اهداف الثورة وتم اقراره.

والان بعد الموجة الثورية فى 30 يونيو والتى اسقطت حكم الاخوان الغاشم الفاسد ، تم الان الانتهاء من الدستور من قبل اللجنة التأسيسية والتى _على الرغم من انها معينة وليست منتخبة _ الا انها اخرجت الى النور دستورا جيدا شملت لجنة كتابته كل اطياف المجتمع بجميع فئاتها ، فالدستور جيد وهو _بلا شك_ افضل من دستور 2012 بمراحل ، تم الغاء مواد واضافة مواد جيدة ، كالمواد الخاصة بحقوق العمال وحقوق المراة وانصف كلاهما ، وايضا المواد الخاصة بتخصيص نسبة من الانفاق الحكومى على التعليم بنسبة لا تقل 4% من الناتج القومى ، وتخصيص نسبة من الانفاق الحكومى على الصحة بنسبة لا تقل عن 3% ، والبحث العلمى بنسبة لا تق عن 1% .

ومن ايجابيات الدستور ايضا انه حرص على ارضاء حزب النور واليارات الاسلامية بالالتزام بأقرار مادة مبادىء الشريعة الاسلامية كمصدر رئيسى للتشريع ، وتفسير كلمة مبادىء التى اتت فى ديباجة الدستور ، وتصنيف الدولة بأنها دستورية حديثة ، واستبدال كلمة ( دولة مدنية ) ب(حكومتها مدنية ) وذلك لترضية التيارات الاسلامية التى تجد صعوبة فى تسويق الدستور فى ظل وجود كلمة ( مدنية ) التى تقع كالصاعقة على انصارهم . فى رأيي انه لا فارق كبير بين كلمة مدنية و حكومتها مدنية ؛ لان الدستور نفسه مواده كلها تقر بمدنية الدولة .

الدستور فى مجمله جيد ؛ الا فى المادة الخاصة بمحاكمة المدنيين امام القضاء العسكرى والتى حددت عدة اسباب لحدوث ذلك ، ولكن بقياس المادة على نظيرتها فى دستور 2012 ، نجد ان فى دستور 2012 المادة ذاتها موجودة ولكن لا تحدد اسباب بل تركت المادة مفتوحة بنصها على محاكمة المدنيين عسكريا اذا تسبب المواطن فى ضرر للقوات المسلحة ؛ مما يفتح المجال الواسع للتفسيرات والتأويلات ، فنجد انها فى الدستور الجديد قد تم تحديدها وتحجيمها قليلا ، لكن ذلك لا ينفى انها مادة سيئة السمعة ولا توجد اصلا فى دولة فى العالم ما يسمى بمحاكمة مدنى امام القضاء العسكرى ابدا وفى أيه حال . ففى رأيي ان تلك المادة هى التفاحة الفاسدة فى سلة الدستور الجيدة .

وما يعزز اعجابى واشادتى بالدستور تلك المواد الخاصة بالحقوق والحريات والتى حملت موادا تعزز من الحرية والديموقراطية _الملموسة فى هذه المواد بالذات للمواطن المصرى _ فكانت افضل مواد خاصة بالحقوق والحريات تمت كتابتها مقارنة بالدساتير السابقة ، وتلك المواد هى الاهم والجزء الملموس لدى المواطن المصرى .

نأتى هنا لجزء مهم ، وهو النظام القائم حاليا . على الرغم من اختلافى مع النظام الحالى بحكومته الضعيفة ، والقمع المستمر بداية من قانون التظاهر _ الذى بالمناسبة  سيختفى ويسقط مع اقرار الدستور لان الدستور ينص فى مادة خاصة بالتظاهر بأن التظاهر حق يتم بأخطار وليس كما ينص القانون بالاذن _ مرورا بالدماء التى تسيل دون محاسبة جادة مع فاعلها ، والقبضة الغاشمة على الثوار الحقيقيين والقمع الذى يمارس ضدهم وفض مظاهراتهم بالقوة ، والقبض على بعضهم ، وتشويه البعض الاخر ، ومحاكمة هزلية تتم لهم . لكن على الرغم من كل ذلك ليس من المنطقى ان نتعارك مع النظام بخصوص مسألة الدستور، بل نحاول ان ننهيه معا بأسرع وقت ، فلا مانع من ان تضع يدك مع من تتعارك معه مؤقتا كى تنقذوا السفينة التى تجمعكما معا ، لانه من الغباء ان تتعارك مع شخص حتى لو بينك وبينه خلافات شديدة بينما تتركون المكان الذى يجمعكما اصلا يحترق او يهدم.

فبعد اقرار الدستور سيتم عمل انتخابات رئاسية تليها برلمانية لتتم بناء الدولة ،ويجب ان تكون معركتنا ليس مع الدستور _ الجيد اصلا _ ولكن معركتنا ستكون قادمة مع الانتخابات التى يجب علينا ان نتكاتف لنصعد فيها من يمثلون الثورة الحقيقية ، اما اذا اختلفنا وافترضنا ان تم رفض الدستور فسنعود الى دستور 2012 السيئ المسيء .

بقى شىء واحد فقط والذى يتم الجدال ايضا عليه الان ، والذى يتمحور حول مدى اهمية الدستور اصلا ومدى تأثيره علينا فيما بعد والزعم بأنه مجرد كلام على ورق ، هنا يجب التأكيد على اهمية الدستور ، لان الدستور هو العقد الذى بين الشعب والدولة ، فأذا كان الدستور سييء فستستخدمه السلطة الفاسدة فى الفساد اكثر وفى سرقة وظلم الشعب وبالقانون ( نظام مبارك مثال ) ، لكن اذا كان الدستور جيدا فالمواطن وحده هو القادر على ان يطالب بحقوقه الموجودة داخله . فالدستور هو فعلا كلام على ورق الى ان يقرر المواطن نفسه استغلاله وتوجيهه نحو مطالبه واستخدام حقوقه الموجودة به . فالمسألة ليست مسألة دساتير فى المقام الاول ، بل مسألة وعي كامل لابد ان يكون موجودا لدى كل مواطن يرغب فى ان يعيش كريما فى وطنه. 

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 923 مشاهدة
نشرت فى 7 يناير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,480,307

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟