كتب / سارة مهران
تتحرك على فراشها بعد أن انتهي الحلمُ الأول،تُدير وجهها فتجحظُ عيناها.
تحاول إغماض عينيها من جديد ولكنها تأبي إلا أن تُريها المشهدَ كاملاً.
تذهب إلي العيادة كل يوم مُنتظرة دورها،عندما يحين تدخل بعد أن تُلقي بابتسامة على الممرضة القابعة خلف مكتبها،تدخل فيبتسم لها الطبيب،رغم محاولاته لإقناعها بأن نومها علي الكرسيّ ليس مطلوباً تنامُ عليه،
تُشاهد هي هذا المشهد على شاشات السينما كثيراً فترغب فى أن تؤديه،ربما لتشعر أن حياتها فيلمٌ سينمائي اقتربت نهايته.
لم تكن تُحبه،كانت تكره كل تفاصيله،وكانت تكره حياتها لأنه فيها.
إذا فعلامَ التألم ؟!،
بالطبع على ما رأت،فما رأت كان أكثر من اللازم وفوق المحتمل.
تتحرك على فراشها بعد أن انتهي الحُلم الأول،تراه ينتفض،تري عيناه على وشكِ أن يخرجا من مكانهما،تري وجهه يكتسي بسواد غريب،ينظر لها بطرف عينيه فترتعد،
يمسك بقوة بيدها قائلا:"الحقيني." فتصرخ،تُحاول إزاحة يده من على يديها فلا تواتيها القوة.
دقيقة وترتخي يده بجانبها ككجسده تماماً،تفتح عيناها على آخرهما فتدرك إنه الآن رحل،تاركاً علامات على يديها لن تُنسيها الموقف أبداً
لما انتهي الحُلم الأول سريعاً اليوم ؟!
"مش قادرة أنسي الموقف،كل يوم مبعرفش أنام بسببه،ولو نمت بقوم مفزوعة عشان بشوفه فى الحلم،بشوف وشه فى اللحظات دي فى كل حتة وفى كل حاجة،مش عارفة أعيش من وقتها،مرعوبة من فكرة الموت،مرعوبة لتكون دي نهايتي أنا كمان."
"بس ما أنتي عارفة إنه كان شيطان،طبيعي نهايته كانت تبقى كدا ؟!"
"مش يمكن أنا كمان أكون شيطان بس مش واخدة بالي ؟!."
تذهب أعز صديقاتها إلي بيتها كيلا تتركها وحدها مُذ حدث ما حدث،فى يومها الأول قررت أن تنام بجانبها،احتضنتها كي تُطمأنها وطلبت منها أن تنام،أخبرتها أنها لن تنام حتي تطمئن إلي استغراقها فى النوم.
مرت أقل من دقيقتين حتي رأت صديقتها أمامها تنتفض،جسدها يرتعش،العرق يتصبب على وجهها بغزارة،ثم رأتها ترفع رأسها بقوة وكإنها تحتضر وتصرخ،صرخت هي الأخري بدورها واحتضنتها،
تأكدت وقتها إن الأيام القادمة ستكون الجحيم بعينه.
"الموضوع طلع صعب أوي يا دكتور،عمري ما تخيلت إن انتزاع الروح بيبقى كدا،عمري ما شوفت حد بيموت قدامي،عارف،أنا كنت بعيط لما أقرأ رواية رومانسية،كنت بعيط لو عرفت إن 2 كانوا بيحبوا بعض افترقوا،شوفت كنت حساسة أزاي ؟!
تخيّل إن الحساسة دي تشوف موقف زي دا،تشوف واحد بيموت قدامها وهي قاعدة بتتفرج عليه،تشوف روح حتي لو مكانتش طيبة بتمشي،
ليه ممكن يكون ربنا خلاني أشوف مشهد زي دا ؟!."
"عشان تفتكريه."
"مكنش ينفع يخليني افتكره بطريقة أسهل ؟!."
أمارس حياتي كامرأة طبيعية،رغم غياب كل ما هو طبيعي عني.
أذهبُ إلي العمل،أصرخ كثيراً،أبكي كثيراً بلا سبب،أنتفض بدون مقدمات،أغيب عن الوعي للحظات طويلة ثم أفيقُ فابتسم لمن حولي قائلة:"فترة وهتعدي."
لقد فات على الأمر سنتان حتي الآن،متي ستمر تلك الفترة إذاً ؟!
لم تتركها صديقتها خلال تلك السنتين،تحملت معها ما لم يقدرْ أحد على تحمله،رأت أياماً تحمل من العذابِ ما لا يُطاق دون أن تشتكي يوماً،صَبرت على ما لا يُصبر عليه،
أهذا إذا جزاءُ الصبر؟!
"من سنتين كانت هي اللى قاعدة قدامك،صاحبتي،قول أختي،قول أنا فى جسم تاني،كانت بتجيلك كل يوم عشان جوزها اللى شافته وهو بيموت،كانت بتجيلك على أمل إنها تتحسن بس مكنتش بتتحسن،كل كان يوم بيبقى عذاب جديد ليها مش أكتر،كنت أنا معاها،يوم بيوم،عذابنا كان فعلاً واحد،كانت كل يوم بصلي على أمل إنها ترتاح،بس متخيلتش إنها هترتاح بإنها تسبني."
اكتسي وجهه بفزع ممزوجاً بدهشة فأكملت:"اه ماتت،الأسبوع اللى فات،ونصيبي خلاني أشوفها وهي بتموت."
أتمت جملتها ودخلت فى نوبة بكاء،
فألقي الطبيب برأسه إلي الخلف،وتركها تبكي.
ساحة النقاش