كتب_ محمد حسن عامر:

وجه واحد يتكرر بين 25 يناير و 30 يونيو، وجه واحد يفسد علينا فرحتنا بثورتنا، الحقيقة أنه إذا تمت المقارنة بين ثورتي 25 يناير و 30 يونيو نكاد لا نجد فارقاً كبيراً بين نتائجهما، وإن كانت 30 يونيو لا زال الوقت مبكراً للحكم عليها، الشباب هو الذي يثور لكِنّ مؤسسات الدولة لا تثور به، هو الذي يصنع التغيير لكِنّ الشعر الأبيض هو من يجني ثمار هذا التغيير، هو وقود لحراك شعبي يُسقط نظاماَ فاسداَ لكنّ نخب متاجرة هي التي تتزعّم وتترشح وتُنتخب وتحكم وتتبوأ وتلمع، هذا هو الوجه الممقوت الذي يتكرر بين التجربيتين.

 علينا أن نقولها كشباب كما قالها الفنان عادل إمام "لقد وقعنا في الفخ"؛  فخ المتاجرين بأحلام وآمال وطموحات الشباب نحو مستقبلهم الذي روته دماء الشهداء ودموع اليائسين والمحبطين، بداية من المجلس العسكري بعد 25 يناير، الذي أساء إدارة المرحلة الانتقالية بكل ما تعنيه الكلمة، بعد أن أصبحت حلوله كجراب حاوي، كل ما فيه ثعابين وإن اختلفوا في أشكالهم، ولولا دماء الشباب في محمد محمود ومجلس الوزراء ما انتهت مرحلتهم الانتقالية، وكانت أكثر العبارات التي يرددها المجلس عبارة "إنّ القوات المسلحة حريصة علي ثورة الشعب وتحمّلت الأمانة"، والتعبير عن الأسي من هتافات تلبية مطالب الثورة قيل إنها تمثل إساءة لهم وبدا الأمر كأنهم يمنّون علينا وقوفهم الي جوار الشعب في 25 يناير وإن كان هذا دورهم الطبيعي.

 ووقعنا في الفخ مرة ثانية حين وضعنا في الاختيار الصعب بين "شفيق"، المتاجر بنظريات المؤامرة ضد شعب مصر، و "محمد مرسي"، المتاجر بالدين و بالثورة. ودفعنا الثمن غالياً بين الإخوان، الذين حتي الآن يرفضون رؤية الحراك الشعبي الذي قام ضدهم، وبرفضون الاعتراف بآمالنا وطموحاتنا ووصفونا بالـ"الانقلابيين"،  ومعسكر لفلول مبارك يحوّل 30 يونيو من ثورة تصحيح مسار، وثورة إسقاط نظام نقض وعوده وخالف عهوده إلي ثورة القضاء علي المؤامرة؛ مؤامرة 25 يناير التي امتطاها المتآمرون وعملاء الخارج مستغلين أيضا آلام الشباب ورغبتهم في التغيير، مشّوهين أصدق لحظة ثورية، حتي إنّه قد يأتي يوم لا نعرف فيها الملامح الحقيقية لها.

 وقعنا بين إخوان تاجروا بالمعني الأجوف لمفهوم الشرعية الذي اختزلوه في مجرد صندوق، وصنعوا من "مرسيهم" خليفة إسلامهم بعد أن بددوا ثورة 25 يناير، وبين معسكر فلول مبارك الذين تاجروا بحاجة المواطن إلي الأمن والطمأنينة، وجعلوا من "شفيقهم"، حكيم زمانهم.

وقعنا في فخّ جماعة تاجرت بتطلّع شعب بريد أن يكون الدين سمتاً له ويري في مقاصد الشريعة الغرّاء حلولاً لمشاكله، لكنّها تاجرت بهذا لتعتبر حكمها المنافق إرادة من الله لنصرة شريعته وكان من اتباعها بدلاً من أن يتعلّموا من الشريعة رحابتها وقبولها الاختلاف، باسم الشريعة كفّروا وروّعوا وأرهبوا معارضيهم. وفي المقابل جماعات علمانية اختزلت الوطنية في أشخاصها وتاجرت هي الأخري بآلام المواطنين التي صنعتها نرجسية الإسلاميين تارة وغباؤهم السياسي أحياناً والمؤامرات التي حيكت ضدهم مرّات أخري؛ ليصلوا إلي مآربهم السياسية، ويقدّموا حلقة معاناة إضافيّة.

وقعنا في فخ إعلاميين متاجرين بطموحات وتطلعات الشباب، إعلاميين من كل التيارات، وكلهم_سبحان الله_ لا تدري كيف يتلونون ويتنقلّون بين فسيفساء مفهوم  مشوّش ملتفّ ملتبس للوطنية يشكلونه ويصنعونه وينسجونه كيفما شاءوا، ولا يستحون في هذا ويستطيعون أن يصنعوا من الحق باطلاً ومن الباطل حقا ولا يعنيهم في هذا لا مبادئ ولا قيم ولا وطنية وإنّما من يقدم لهم أموالاً تملأ خزائنهم وحافظاتهم.

كذلك وقعنا في فخ أساتذة وأكاديميين كانوا يتشدقّون بالمبادئ العلمية والأخلاقيات لكنّهم للأسف كُسِروا علي حد الولاءات السياسية من هنا ومن هناك إلاّ من رحم ربي.

أيضاً لا زال هناك فخ منصوب منذ زمن أسموه المنظمات الحقوقية أو مجازاً المجتمع المدني وبعض قادة المبادرات الشعبية، وهم اساتذة في الاتجار بالانتهاكات الحقوقية تجاه بني وطنهم من أجل ملايين الدولارات التي يتلقونها من أسيادهم في الخارج، التي منها ركبوا سياراتهم وحازوا شققهم وفيللهم ونفخوا بطونهم ولمعوا في إعلامهم وكنزوا في بنوكهم.

حتي كثير من الشباب والشخصيات الوطنية تقع في فخ المتاجرة بوطنيتهم، أو قُل يجعلون من حقوقهم صولجاناً علي رقاب الآخرين، ويشككون في انتماء وولاء غيرهم إذا ما شعروا بتقاعسهم إزاء مطالبهم وطموحاتهم.

 ونكاد الآن نقع في فخّ مجموعة من المتاجرين بشخصية الفريق أول "عبدالفتاح السيسي"، الذي معه شعرنا بالأمان وعودة الهيبة المفقودة قليلاً إلي وطننا وبدد لدينا المخاوف التي كان يرددها كثيرون بأنه رجل الإخوان في الجيش ليتأكد لنا أنّ جيشنا هو المؤسسة الوحيدة التي تعمل دوماً لأجل مصر، لكنّ سحرة فرعون من ساسة وإعلاميين ومتملقين ومتاجرين يريدون أن يصنعوا من وطنية هذا الرجل فرعوناً إلهاً ولم يتورعوا أن يعلنوا هذا ويدعموا حملة تسمّي "كمّل جميلك" مطالبين إيّاهُ بالترشّح لرئاسة الجمهورية، وإن كان الفريق السيسي يستحق هذا ويفطن لمن حوله، لكنّ الخوف الذي يتملّك كثيرون منّا  وخاصة أنّ أبناء مبارك يلتفّون حوله كما تلتفّ الذئابُ حول فريستها؛ فصنعواً لنظام 30 يونيو المؤقت مخلباً مفترساً يريد أن ينهش كل من يخالف رؤيته ولا يسير وفقاً لهواه أو يحاول تصحيح مساره.

كلهم يا عزيزي تُجّار و لا فارق بين تاجر يسعي_ فقط_ لجني المال من مشتريه، وبين سياسي يسعي_ فقط_ نحو أصوات ناخبيه، وبين رجل دين يسعي_ فقط_ نحو مُريديه؛ ما دام كلُّ منهم لم تحسن نيّته ولا يريد إلّا بسط نفوذه وهيمنته وإشباع ملذّاته، وليس قضاءً لحوائج الناس بما ييسّر عليهم أمور دنياهم، ويحفظ عليهم دينهم. كلهم يا عزيزي تُجّار وطالما ظلّت مصر هكذا، والأمر ينصرف كذلك علي كل الوطن العربي، يتم التعامل معها كسلعة تُباع وتُشتري ويُتاجر بها فلن نمضي خطوة واحدة نحو مستقبلنا، ولن تُسكَّن أوجاعنا، أو تجِفّ دماؤنا ودموعنا، أو تُضمّد جراحنا أو يهدأ روعنا، أو يُطفأ غضبنا، وعلي هؤلاء التُجّار أن ينتظروا مجدداً ثورتنا. 

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 723 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,536,059

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟