كتب- يوسف أسونا:
منذ نعومة اظافري ،كنت أتابع سلسلة «باب الحارة» الشهيرة للمخرج السوري الشهير بسام الملا وأخوه ،هذا المسلسل الشهير عرف إقبالا كبيرا من مختلف الشرائح المجتمعية في مختلف الدول العربية..يحاكي الأحداث التاريخية في البيئة الشامية كأشكال المقاومة السورية لإستعمار الفرنسي وتعبيرهم عن رفض الإحتلال بشتى الطرق السلمية كشباب الكتلة الوطنية والغير السلمية كالحروب التي يشنها ثوار الغوطة على العسكر الفرنسي.
ومن المعروف ،أن هذا المسلسل تم تقسيمه إلى أجزاء مختلفة يُعرض كل جزء في شهر رمضان الكريم ،مازلت أتذكر ٱنطلاقة الجزء الأول من هذا الإنتاج الضخم الذي حضرت فيه نخبة من الفنانين السوريين الكبار كبسام كوسا الذي تقمص شخصية الايدعشاري وصباح الجزائري المعروفة بسعاد والفنان الشاب سامر المصري المعروف بالعگيد أبوشهاب وعباس النوري ..الخ،كانت الأحداث منسجمة تثير الشوق لدى المشاهد وتولد لديه الحماس والإحساس بالرغبة لمتابعة الأحداث المقبلة في المسلسل ،كما ساهم ٱلتزام الفنانين داخل هذا المسلسل واحترافيتهم وتفانيهم وٱخلاصهم في إنجاح هذه التجربة التي نالت صدى كبير في مختلف الدول العربية ،وقد نجح هذا الجزء في تقريب المشاهد من أجواء وطقوس البيئة الشامية والتعريف بعادات وتقاليد الشاميين ومدى تشبتهم بالأصالة والثقافة والأرض التي ترعرعوا في أحضانها ،كما نجح أيضا في تشجيع بعض القيم النبيلة التي بدأت تتلاشى كالشجاعة والشهامة وحب الأرض والإيثار وٱحترام الجار والتعاون بين الأهل واحترام حقوق المرأة وتقديرها .
هكذا نجح الجزء الأول ،مما أدى إلى تشجيع المنتج لكي يواصل انتاج أجزاء أخرى من هذه السلسلة الشهيرة كالجزء الثاني الذي لم يختلف كثيرا عن الجزء الأول من ناحية الزمكان والديكور والشخصيات ،حيث حضرت فيه نفس الشخصيات وتطورت الأحداث داخل الحارة..وبعدها يأتي الجزء الثالت ،الذي حضرت فيه شخصيات جديدة وٱتسعت الأرضية التي تدور فيها أحداث مسلسل باب الحارة لتشمل حارة جديدة تشارك في تطوير الأحداث وتضفي طابع الحركية والدينامكية للمسلسل وقد تواصل إنتاجه الى الجزء الخامس ليتوقف إنتاجه لسنوات، وبعدها قرر المخرج رفقة المنتج مواصلة إنتاج أجزاء جديدة وقد تم عرضها في السنوات الأخيرة على المحطات الإذاعية والقنوات الترفيهية.
إلا أنه للأسف ،لوحظ تغيير جذري في المسلسل إلى درجة ٱغترابه عن أصالته ونسخته الأصلية وذلك بحضور شخصيات جديدة لتقليد شخصيات غادرت العمل ولم يستطع المشرفين على السيناريو تبرير غيابهم، نأخد على سبيل المثال غياب شخصية العكيد أبو شهاب وتبريره بقتله من طرف شخصية بعيدة كل البعد عن حياة العكيد ولاعلاقة تربطهم لامن قريب ولا من بعيد ،وهذا رهان فاشل أبان عن غياب الاحترافية في تأليف القصة ،وهذا المبرر الهزيل يصعب تصديقه من طرف المشاهد ويصعب عليه التفاعل معه مما سيولد ٱحساس الروتين والملل داخل نفسية المشاهد ولن يكمل متابعة المسلسل ،كما تم تعويض شخصية معتز //وائل شرف// بشخصية أخرى وهذا ايضا يعتبر رهان فاشل لأن شخصية أبو العز يصعب تقليدها لأنه يتميز بصفات خاصة فريدة من نوعها ،تستميل المشاهد وتجعله يتفاعل معه ،كما أن هذه الشخصية القديرة أعطت الكثير لهذا المسلسل وربما حسب رأيي المتواضع هي السبب في تشهير ونجاح تجربة باب الحارة.
وهكذا أصبحت الأجزاء التي تعرض حاليا مبتذلة وروتينية ،تعيد نفس الأحداث ونفس الصراعات ونفس الحكايا دون ملل وصولا إلى الجزء الحادي عشر الذي يعرض أيام هذا الشهر الفضيل على الشاشات التلفزية ،هذا الجزء الذي يشهد اغترابا بشكل كبير عن باب الحارة الذي كنا نعرفه ،هو أشبه بمسلسل أخر تمت تسميته باب الحارة فقط ،لايشبه باب الحارة في شئ سوى الأسم والاغنية فقط.
ما يهمني في هذه الورقة هو الإدلاء برأيي المتواضع بخصوص المسلسل الشهير باب الحارة الذي عرف تغيرا جذريا واغترابا في أجزاءه ،وكان من الافضل الاكتفاء بتلك الاجزاء الأولى من باب الحارة التي اعطت الكثير لهذا المسلسل ،وصنع منه الممثلين السوريين نجاحا في سرد تاريخ بلاد الشام في ظل الأصالة بعيدا عن التقليد الآلي غير الواعي المجرد من الإحساس.
ساحة النقاش