كتبت :إيمان زهران 

عند الحديث عن السياسات الإقتصادية ؛ يتبارى إلى ذهن القارئ الأرقام والمعدلات والحسابات وكم زخم من المعرفة اللاحسية تخول للشخص انه أمام طلاسم يصعب إدراكها سوى لأهل الإختصاص . وتتزايد الحيرة حينما يرتبط المحدد الاقتصادى بالبُعد الأيكولوجى فيصعب للعديد إدراك الإشكالية المتعلقة بتلك القضية خاصة مع ظهور العديد من المصطلحات الالناتجة عن الإندماج الإقتصادى بالمحدد البيئى ؛ حالة الإقتصاد الأخضر والتنمية الايكولوجية المستدامة . 

مزج البعد البيئى بالإطار الاقتصادى ادى بدورة إلى تغير مفهوم التنمية الأقتصادية من مجرد زيادة إستغلال الموارد الأقتصادية النادرة لإشباع الحاجات الإنسانية المتعددة والمتجددة إلى مفهوم "التنمية المستدامة " والتى تعرف بأنها نوع من أنواع التنمية تفي بإحتياجات الحاضر دون التعدى على حق الأجيال القادمة في تحقيق متطلباتهم، فالتنمية المستدامة لا تمنع استغلال الموارد الاقتصادية مثل المياه والنفط والغابات، ولكنها تمنع الاستغلال الجائر لهذه الموارد بالدرجة التي تؤثر على نصيب الأجيال القادمة من هذه الموارد، وخاصة إذا كانت موارد قابلة للنضوب أو غير متجددة كالنفط مثلاً. 

الاقتصاد البيئي يعرف أكاديميا بأنه فرع من فروع علم الاقتصاد يتناول مسألة التوزيع الأمثل للموارد الطبيعية التي توفرها البيئة لعملية التنمية البشرية. وبالمقابل نجد أن البيئة البشرية تمثل المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على المواد اللازمة لبقائه وتنميته المادية والثقافية، ويبني فيه مسكنه ويفرغ فيه النفايات الناتجة عن نشاطاته اليومية. وبهذا المنطق فإن عناصر الاقتصاد البيئي هي سلع اقتصادية نادرة، ولا توفر الطبيعة كمية كافية من الموارد البيئية لتلبية احتياجات الإنسان، وهي ليست مجانية حتى وان كانت غير قابلة للنضوب بالفعل، أو كان الطلب عليها شبه معدوم.

بالمقابل ؛ نظرا لحداثة الموضوع فوجد أن الاقتصاد البيئي أوضح تقليديا فى ظل وجود عدد من المشكلات كـ " الآثار البيئية الخارجية و الإدارة السليمة للموارد الطبيعية و ... "

السائد أنه في ظل غياب أي تقدم تكنولوجي لا ينظر إلى نضوب الموارد كمشكلة أساسية خاصة وإذا كان رأس المال المتجدد الذي يجمعه الإنسان مستداما بالقدر الكافي بالنسبة للموارد الطبيعية. أي أنه يستعيض عن رأس المال الطبيعي برأس مال اكثر إنتاجية يجمعه من خلال نشاطات ومشاريع معينة.

 ولكن المأخذ هنا هو أن مبدأ الاستعاضة المحدود لان رأس المال الطبيعي يمكن أن يستثمر في مجالات عديدة، في حين أن رأس المال الذي يجمعه الإنسان يفتقر إلى مثل هذه الصفة.  ولا يمكن مقايضة المصادر البيئية بموارد اصطناعية أوجدها الإنسان لأسباب أخرى، خاصة وأنه لا توجد بدائل اصطناعية لكثير من الأصول البيئية . 

كذلك رأس المال البيئي يتميز بأنه لو أتلف لكان قد فقد إلى الأبد، وذلك على عكس رأس المال الاصطناعي والذي يمكن إعادته بعد إتلافه. إضافة إلى أن فهم الإنسان لفعل الطبيعة فهم محدود، وبالتالي فإن خفض رصيد رأس المال الطبيعي يعتبر استراتيجية محفوفة بالمخاطر. 

جوهر التنمية المستدامة يتمثل فى التوفيق بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة. والسعى إلى بلوغ "الحد الأقصى" من أهداف الأنظمة الثلاثة، البيولوجي (التنوع الجيني والمرونة والقدرة على الانتعاش والإنتاجية البيولوجية) والاقتصادي (تلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان وتعزيز العدالة وزيادة السلع والخدمات المفيدة) والاجتماعي (التنوع الثقافي والاستدامة المؤسساتية والعدالة الاجتماعية والمشاركة) . 

بالمقابل ؛ لابد وان يكون هناك رقابة تضمن التصحين البيئيى ضمن آليات الإستدامة الإقتصادية ؛ وهو ما يقودنا لجوهر عملية " المحاسبة البيئية " المنوط بها جمع كافة العناصر بمصفوفة دقيقة ومتوازية وهو نادرا ما يحدث بالتوجهات الحديثة . 

جوهر  المحاسبة وفقا للمفهوم التقليدية يتمثل فى أن زيادة الإنتاج أو اى من المصادر الطبيعية  كزيادة الضخ من المياه الجوفية وزيادة الإنتاج من النفط الخام تعتبر مدخلات إيجابية عند حساب الناتج القومي الإجمالي. 

وفقا لذلك الطرح ؛ فان إرتفاع معدلات صيد سمك اوقطع أخشاب وتصديرها ، كل ذلك يزيد من الناتج القومي الإجمالي، بغض النظر عما تتركه مثل هذه التوجهات من آثار بيئية سيئة، كإرتفاع المعدلات المناخية وفقدان طبقة الأوزون والتلوث الناتج لكل من الهواء والماء، والتي لها تكاليفها المخفية وغير منظورة. ومن ثم ؛ فإن التنمية المستدامة تفترض أن تعكس نظم المحاسبة قدر الإمكان وفقا الأسعار الافتراضية للموارد الطبيعية . 

 إحقاقا للحق ؛ إن نظم المحاسبة البيئية تسعى فى مضمونها نحو المساهمه في تحسين الأداء الاجتماعي . لكن بالمقابل ؛ لا تتسم تلك المحاسبة بالجدية في الاغلب نظرا لما تتطلبه عملية التطبيق من أساليب وطرق غير تقليدية ولارتفاع تكلفة قياس وتحليل التكاليف البيئية ، فضلا عن عدم توافر بيانات محاسبية يمكن من خلالها توفير مقاييس مرتبطة بالبيئة خاصة ولأن تجميع هذه البيانات يتطلب جهد كبير لتحديد الأنشطة البيئية والتكاليف والمنافع البيئية المرتبطة بهذه الأنشطة. وهو ما نحاول بشأن التنبية لصانع القرار ؛ خاصة وأن مستقبلا ستشكل البيئة الخطر الحقيقى على كافة الأصعدة السياسية والأقتصادية وكذلك الاجتماعية والثقافية . 

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2321 مشاهدة
نشرت فى 26 مارس 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,117,564

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟