كتبت :سارة مهران

ظلمةٌ حالكة،

تلك أولي الطقوسِ التي بدأت بها،

ثمّ صمتٌ مطبق لا سبيل إلي كسره.

فى ظروف كتلك جلست هي على الأرض دون أن تسندَ رأسها إلي الحائطِ كما اعتادت،

أغلقت عينيها وفتّحتهما فلم تبصرْ شيئاً،

فابتسمت.

قدماها،

إحداهما كان على شكلِ ثمانية،

والثانية مثلها غير أن باطن الكف موضوعاً أسفل القدمِ الأولي،

جِلسة شبيهة بجِلسة ممارسي اليوجا،

ووضعت أمامها كتابِ الله،

ليس أمامها على حاملِ بينها وبينه ولو مسافة قليلة،

بل على قدميها.

فتحت سورة الشرح،

بداخلها اشتياق لا أسباب له لتلك السورة خاصة،

رغم أنها تحفظها جيداً إلا أنها أرادت أن تراها أمامها،

ورغم أنها لن تريَ شيئاً فى ظلمة كتلك،

لم تفتّح عينيها،

هي لن تبصرَ شيئاً حتي إن فتحتهما،

هي أرادت أن يكون الكتاب معها كشىء معنويّ ليس إلا.

"ألم نشرح لك صدرك."

قالتها وبكت،

"ألم نشرح لك صدرك."

قالتها وأخذ جسدها يرتعش،

"أشرحته يارب دون أن أدري ؟!."

تسائلت،

"و رفعنا عنك وزرك."

أخذ صوت النحيب يعلو،

"و رفعنا عنك وزرك."

"ورفعنا عنك وزرك."

دموعٌ تنهمر كزخاتِ المطر،

"أرفعته يارب،

أم لم يحنْ الوقت بعد ؟!."

تساؤل آخر لن تجد له إجابة،

"أرفعته يارب ؟!،

قلْ لي."

ارتفع صوتها حتي اخترق قلبها مزلزلاً إياه،

"ألم نشرح لك صدرك."

أخذ جسدها يهتز،

تطلع به وترجع،

كأنها فى جلسة ذِكر،

لكنّ الفرق هنا أنها أختارت اليوم أن تكونَ وحدها،

وصممت على ألا ترحل حتي تري.

"لم يُشرح بعد يارب."

فتّحت عينيها فلم ترْ شيئاً

فأغمضتهما مجدداً،

تلك محاولتها الأخيرة،

فلتنهي السورة على بعضها ولتنتظر حتي تري النتيجة.

"ألم نشرح لك صدرك."

صوت أنفاسها يتصاعد،

"ووضعنا عنك وزرك."

دموعها عادت فى الانهمار بقوة،

"الذي أنقض ظهرك."

قالتها وسكتت،

تنفست بعمقِ،

لمست بكفِها ظهرها،

فشعرت بانحنائه.

"ورفعنا لك ذكرك."

رفعت رأسها إلي أعلي دونما أن تفتحَ عينيها،

"ورفعنا لك ذكرك."

جسدها ما زال يهتز،

العرق يتصبب على وجهها

 فى يومِ حارّ كهذا أبت هي أن تُشغّل المكيف إذ أرادت أن تكون وحدها فى حضرته.

"فإن مع العسرِ يسراً،

إن مع العسر يسراً."

شعرت بأن يداً تربت على قلبها،

شعرت بأن النفسَ يخرجُ محملاً بالوجع ويدخلُ مُعبقاً بالسكينة،

حضرته كفيلة بأن تمنحها السكينة.

"فإذا فرغت فانصب،

وإلي ربك فارغب."

انتهت،

لن تفتحَ عينيها علي هذا الظلام،

تري هي نوراً لا تعلمُ من أين أتي،

تري شيئاً لا يُوصف،

"ها أنا قد أتيت راغبة يارب،

هل لي بشرح صدري ؟!،

هل لي بوضع وزري ؟!،

هي لي بظهر سليم مُعافي ؟!،

هل لي برفع ذكري ؟!،

هل لي بجبر خاطر قلبيّ الآتي إليك فارغاً مما سواك ؟!."

أمسكت بالكتابِ بقوة كأنما تتشبث به،

احتضنته وبكت،

بكت،

لم تفتحْ عينيها هي بعد ولم تقوَ تلك الخطوة،

تخشي هي من النتيجة،

تخشي ألا تري.

باغتتها فكرة،

ستفتح هي قرآنها على آية،

بكتابه سيخاطبها،

وهي تريدُ أن تسمعَ إجابة اليوم.

فتحته على سورةِ لم تعرفْ ماهيتها هي بعد،

فتّحت عينيها تدريجياً فابتسمت،

رأت أمام عينيها كل شىء،

وجع أمس،

آخر مشاجرة بينها وبين زوجها،

وجه أمها التي اشتاقت إليه بشدة،

وجه أبيها الذي تكره أن تنظرَ إليه،

فشلٌ لم تتقبله هي بعد،

و وجهِ أناسِ تناستهم من جراءِ ما سببوه لها من أذي،

رأت كل هذا فابتسمت،

إذ رأت من خلفِ كل هذا نوراً يتصاعد،

نوراً يغلّف تلك الغرفة الحالكةِ الظلام،

نوراً لا ماديّ،

لن تراه أنتَ إن كنت معها،

وحدها تراه،

و لها وحدها أتت الإجابة.

"إني أنا ربك فاخلع نعليك،

إنك بالوادي المقدس طوي."

بكت،

ثم نظرت إلي قدميها،

خلعت حذائها الناسية إياه فى زِمرة كل هذا،

"ها قد خلعته يارب،

أرني ما رأي موسي،

ارني ما رأي عيسي،

ارني ما رأي محمد،

ارني ما أريدُ أن أري."

أغمضت عينيها مجدداً،

أمسكت بالكتاب برفق هذه المرة،

قلّبت صفحاته عشوائياً فأتتها الإجابة،

"وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب،

وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون."

أخرجت آخر نفسِ يخرجُ بوجعِ هذا اليوم،

ولربما لآيام قادمة،

"فهمت يارب،

فهمت يارب."

نهضت،

شعرت كأن جسدها ريشة ترغبُ فى أن تأخذها الرياح أينما ذهبت،

وهي تؤمن دوماً،

وأصبحت على يقينِ الآن،

بأن رياحَ القدر لن تُضيعها،

فُمحركّها الذي كانت فى حضرته،

والتي تشعرُ أنها فى حضرته دائماً،

معها،

يريها ما تريدُ أن تري،

وسيشرح لها قلبها إذا ما انغلق مجدداً.

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 746 مشاهدة
نشرت فى 21 فبراير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,543,464

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟