كتب_ أحمد زكريا
(١)
يوم الثلاثاء الموافق ٢٤ ديسمبر/كانون أول ، أنباء تتوارد حول مقتل أكثر من ١٥ شخص في تفجير إحدى مديريات الأمن شمال مصر ، و حنق شعبي في المدينة بشكل خاص و مصر بشكل عام تجاه الحادث الآثيم، و أصابع الاتهام تتجه نحو التيارات الإسلامية بشكل عام و جماعة الإخوان بشكل خاص.
(٢)
شاهد عيان لمكان التفجير يتساءل كيف يمكن تفجير هذا المبنى بهذه السهولة في ظل وجود كمائن أمنية شبه دائمة حول مبنى مديرية الأمن. أنباء تتواتر حول عدم وجود الكمين الرئيسي المؤدي لمبنى المديرية ليلة التفجير.
(٣)
يوم الأربعاء التالي للحادث، مجلس الوزراء يقرر إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية و يحظر إنشطتها، و عقوبات تصل لحد الإعدام لمن يقود مظاهرة للجماعة. عنف من الأهالي في المدينة التي وقع فيها الانفجار تجاه قيادات الإخوان حيث اقتحام منازلهم و تكسير أثاث المنزل و الحصول على أوراق و مستندات تخص قيادات الجماعة.
(٤)
في مكالمة مع صديقة لبنانية حول الوضع في البلدين، أثارت صديقتي تساؤلاً : هل تم تمرير القرار عبر البرلمان ؟ كان إجابتي: لا يوجد في مصر برلمان الأن ! فسألتني سؤالاً أخر: هل تم اتخاذ القرار وفق قانون الطواريء ؟ لم أستطع الإجابة في حقيقة الأمر لأن قانون الطواريء قد أعلن بعد فض اعتصام رابعة العدوية و تلازم معه حظر التجول ثم انتهت هذه الحالة في منتصف نوفمبر الماضي. المؤكد في الأمر أن السلطة التنفيذية تملك السلطة التشريعية مما يخول لها مساحة صناعة القوانين و تمريرها في ظل حالة التعبئة و التأهيل النفسي للمواطن من أجل تقبل أي قانون تضيق به مساحات الحرية الفردية و الجماعية.
(٥)
في الجمعة التالية للقرار الخاص بحظر أنشطة الجماعة و اعتبارها منظمة إرهابية، تحدثت مع سائق تاكسي سائلاً إياه: هل رأيت الإخوان في مظاهرات اليوم؟ فكان رده : ربنا ياخدهم و يريحنا منهم . فقلت له: يعني الناس الغلابة اللي مالهمش ذنب غير انهم بينزلوا مظاهرة موتهم حلال؟ فرد قائلا: هما عارفين إن قياداتهم هي اللي بتولع البلد، يبقى يشيلوا الذنب بقا.
(٦)
بعد إعلان جماعة أنصار بيت المقدس مسئوليتها عن تفجير مديرية أمن المنصورة، و استهدافها للمواصلات العامة ، هاجس يكاد يسيطر عليّ أثناء ركوب المترو، قد يحدث انفجار في أي لحظة، المترو غير مؤمن على الإطلاق، و يمكن لمن يريد أن يفعل أي شيء في محطات المترو أن يقوم بذلك بسهولة بالغة. لا يوجد شرطة تقريبًا، حتى الكلاب البوليسية التي كنا نراها في المترو تكاد تكون اختفت حاليًا. بعد الخروج من المترو و السير على كوبري قصر النيل يظل الهاجس ملازمًا لي حتى أتخيل سقوط الكوبري بمن عليه في قلب النيل !!
(٧)
منذ بضعة أشهر، تواردت بعض الأنباء عن استهداف السفارة الأمريكية و محاولات لتفجيرها، تحول محيط السفارة الأمريكية و التي يوجد بجانبها السفارة البريطانية أيضًا، إلى ثكنة عسكرية مكتظة بعربات الشرطة والجيش، قيادات من الجانبين، و نقاط تفتيش و حواجز أسمنتية و كلاب بوليسية لتفتيش السيارات حال وجود أي متفجرات داخلها. للوهلة الأولى عندما تسير في محيط السفارة تشعر أن الأمن مستتب و أن السفارات في حماية كاملة لما تراه حولك من حشود أمنية ضخمة، لكن الحقيقة الجلية-ـ لمن يأتي للمكان بشكل يومي و يعرف تفاصيله ـ أن أي رغبة في تفجير السفارة في غاية السهولة من خلال شخص يسير على قدميه يحمل شنطته و يضع ما يريد من متفجرات و يمر بين نقاط التفتيش دون أي تفتيش و يمكنه أن يتحدث إلى قوات الشرطة والجيش و يداعبهم. الحالة الوحيدة التي سيتم إيقافك فيها هي أنك تحمل كاميرا، هنا تكمن خطورتك، أنت تهدد الأمن القومي المصري و الأمريكي و ربما تحاول تصوير السفارة الأمريكية أو جنود الأمن المركزي !!
(٨)
متضادة الإرهاب و الأمن ، الفوضى والاستفرار ، حكاية قديمة ترتدي ثوبًا جديدًا كل يوم، و الملفت للنظر أن المواطنين مع كل ثوب جديد ينبهرون ويظنون أن شخصًا مختلفاً قد أطل عليهم. بعد ذلك يدركون أنه نفس الشخص، ثم تعاد القصة من جديد و كأن شيئا لم يكن. الإخوان هم إرهابيو اليوم، وهم من كانوا إرهابيين عام ١٩٥٤، ثم بعد مرور السنوات عاد الإخوان و مارسوا السياسة و وصلوا لسدة السلطة. الأن تعاد الرواية، و يظن الكثيرون أن الإخوان سيتم سحقهم، لكن ما لا يدركه كثير منا أن اللعبة في النهاية تدار على مائدة مستديرة في الخفاء، صفقات تصنع في الكواليس دون علم من ليس لهم حول ولا قوة و لا نفوذ، سنصحو بين ليلة و ضحاها لنرى الجماعة الإرهابية الأن لديها من المشروعية ما يكفيها لممارسة السياسة و مقارعة النظام الحاكم.
(٩)
جموع تتشبث بأمل الحياة الكريمة، يصدقون تصريحات الحكومة حول الآمن المستتب، و الشرطة الساهرة على خدمة الوطن مقدسة كرامة المواطن.القابلية للتصديق أو كما قال على شريعتي " القابلية للاستحمار" حتى لا ترهق ذهنك في التفكير، تجد المبرر و المسوغ القانوني الذي صنعته الدولة دون أن تبذل مجهود .تتكلف الدولة بعد ذلك عناء بثه في كل وسائل الإعلام بأسلوب نازي يجعله منطقا للتفكير و ربما عقيدة يفكر بها كل من لا يملكون "النباهة" و مساحة "القابلية للاستحمار" أكثر سعة.
(١٠)
دائرة التفجيرات و الاغتيالات السياسية بدأت في حركتها. و العنف الذي لطالما علمونا في المدارس أنه منبوذ و أن الشعب المصري مسالم بطبعه صارت جزءا من التاريخ و الحكايا التي ربما نرويها لأولادنا: أن آباءكم الأوائل كانوا مسالمين لكن لم يصبحوا ذلك . السلطة مَفسْدة ومُفسِدة، حكاية قديمة كحكاية الفوضى والأمن. و كأن البسطاء الذين يحلمون بالأمن و الثورة و الحياة الكريمة قدر عليهم أن يقعوا بين فكي سلطة غاشمة و معارضة غبية، كلاهما لا يغلب قيمة الإنسان !!
ساحة النقاش