كتبت :إيمان زهران
مصر جزء لا يتجزأ من أفريقيا مثل ما هى عمود لا يستهان به فى الوطن العربى وركيزة إستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط . وتسعى مصر فى مرحلتها المتقدمة أن تستعيد بياناتها الأفريقية وترسخ للمبادئ المستقبلية نحو إعادة الهيكلة و البناء لقارة أفريقية متماسكة سياسيا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا حقيقة مؤكدة " أفريقيا قارة المتناقضات " فعلى الرغم من تضمين القارة لمعظم الموارد الطبيعية ,إلا أنها قد سجلت تراكما من النتائج السلبية فى مجالات التنمية المتعددة منذ ستينات القرن الماضى .
فالمتابع للمحصلة الإقتصادية والاجتماعية للعقد الخمسينى الأول منذ الإستقلال الأفريقي بشكل عام , يتوصل إلى نتيجة واحدة مفاداها أن الوضع كاثى بالإجمال . على الرغم من ذلك ,فلقد بدأت القارة منذ عام 2000 تشهد نموا قويا نسبيا ، لكنه يخفي حقائق اجتماعية مرعبة ، وأشكالا من الهشاشة وكذلك ضعفا صارخا في البنى التحتية . حيث يشير المجلس الاقتصادي الافريقي في تقريره لسنة 2013 " أن هذا النمو لم يُترجم لا بالتنوع الاقتصادي ولا بإنشاء مناصب عمل بالعدد الملائم ، وأقل من ذلك ، لم يترجم إلى تنمية اجتماعية واسعة " .والخلاصة أن هذا النمو يؤكد المسار الفوضوي الذي عرفته التنمية الإفريقية.
أفريقيا ليست قارة التخلف والجهل والإنتهاكات والنزاعات والحروب ؛ هناك العديد من التجارب الإفريقية الناجحة والتى يمكن التعويل عليها كنقاط ارتكاز لتحقيق التجديد والنهوض الاقتصادى والاجتماعى للقارة .
فالقوة الاقتصادية لجنوب إفريقيا ، والنموذج الديموقراطي والاقتصادي المثالي لدولة بوتسوانا لاسيما مع الموارد والمداخيل المنجمية التي وضعت في خدمة التقدم الاجتماعي ، وإعادة التأسيس الاقتصادي والاجتماعي الجديد والرائع الجاري برواندا في برهة من الزمن بعد المذبحة التي عرفتها البلاد ، والذكاء الاقتصادي والتقدم الخارق للمغرب الذي يضع المملكة في مركز متميز ويجعلها محورا لتنمية أوربا وإفريقيا ، وديناميكة الاقتصاد التونسي بالرغم من الأزمة السياسية والاجتماعية التي تجتازها البلاد، وإعادة تثمين النشاط الكيماوي والصناعي للمحروقات في الجزائر ،فجميعها مسارات تترجم ما يمكن أن تفعله افريقيا وهو ما يمكن أن يلهم القارة التي غالبا ما تنخرها مسألة عدم الثقة بالنفس والتشاؤم ونكران الذات .
إستنادا للتجارب الأفريقية الرائدة التى ذُكرت سابقا ,فإن نموذج الأزمة الهيكلية للقارة ليس وثيق الصلة بإفريقيا وهو ما تبينه الديناميكيات الحالية الجارية في القارة والتي توضح بأنه إلى جانب الأزمة الإفريقية الرسمية ذات الجذور الخارجية ـ هناك قارة إفريقية أخرى يجري استحداثها من خلال تلك الفضاءات التي تجري بها عملية إعادة التأسيس للدولة والاقتصاد والمجتمع سواء على المستوى الكلي أو على المستوى المصغر ،من حيث اطلاق ديناميكيات للتنمية الاقتصادية للأقاليم ، والتنمية المحلية ، والشراكة ، وخلق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ، وتنمية الجماعات وذلك من خلال عدد من المقترحات والتى فى مقدمتها :
1. تبنى نظام حوكمة يتكيف والموادر الطبيعية بالقارة الأفريقية خاصة مع الإعلان عن قواعد جديدة من شأنها التعزيز بالمخصصات الطبيعية ومراعاة آليات التنمية المستدامة والإستحقاقات الإنسانية للقارة.
2. العمل على بناء جماعات مختلفة ومندمجة من شبكات البحث الداخلى تهتم بالاقتصاديات والمجتمعات الافريقية. والسعى نحو إعادة هيكلة التصور المفاهيمى للتنمية الافريقية من خلال الإستناد إلى الموارد البشرية ذات الجودة العالية فى خدمة الاقتصاد والتنمية بالقارة الافريقية .
3. السعى نحو الإندماج وبناء إقتصاديات إقليمية ذات جدوى مستدامة وحاملة للتنمية الوطنية والأفريقية . إضافة إلى تطوير صيغ الحصول على التمويل المالى اللازم لتنمية الإقليم كالعملات المحلية , التمويل المالى المصغر, الاقتصاد الاجتماعى او التضامنى من أجل التكفل بالإستثمارات بعيدة المدى ..إلخ .
4. إحداث نوع من التوافق ما بين الاقتصاديات المحلية للقارة وبحث آلأيات التطوير للإقتصاديات الشعبية للإقليم . فالإقتصاد الشعبى يشكل صيغة قائمة بحد ذاتها للإنتاج الاقتصادي يتحكم فيها بشكل جيد المجتمع التقليدي الافريقي مما يسهم فى تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين من خلال خلق نشاطات مصغرة تدر دخولا لإصحابها .
5. إعادة تحديد قواعد الشراكة مع الشركات الاجنبية وتحديد قواعد جديدة تتيح للقارة التصرف بشكل أفضل وفقا لمصالحها المشتركة ، ومن أجل أن تضمن لها هذه الشراكة امتيازات متوازنة للأطراف المعنية ، وخاصة أن تكون هذه الشراكة متلائمة مع حتميات إعادة هيكلة الاقتصاد الافريقي . أفريقيا ؛ هى تلك القارة السمراء والتى تتمتع بكافة العناصر الإستراتيجية والطبيعية الايكولوجية والسيكولوجية والتى تؤهلها للنهوض والتنمية ؛ ولكن بيظل إشكالية الفرقة وعدم الحسم للعديد من القضايا ؛إضافة للتدخلات الخارجية والتى بمثابة الفتيل لأغلب الصراعات. فليس مقدرا للقارة التخلف والتراجع ولا أن تكون مجرد مخزون إستراتيجى للموارد الطبيعية تتصارع حولها القوى الخارجية سواء بشكل مباشر او غير مباشر . فلا يوجد ما يحجم طموحنا ولن نسمح بأن تفرض علينا حتميات وهمية بدوى التخلف والجهل وعدم القدرة فى حين اننا نمتلك العديد ولدينا المزيد لنقدمة لقارتنا ولتنمية إقليمنا .
ساحة النقاش