كتبت_ هايدي النشرتي
المسرح لم يكن خاليا من الجمهور... لم اشعر بيه ربما لتفكيري في أشياء أخرى ..كنت فاقد الاحساس من المحتمل القصة لم تكن كاملة أو فاقدة للاحساس أو الابداع لم أشعر بالامتننان أو الفرحة لدخولي هذا المسرح..علي العكس كنت أظن أن احساسي سيكون جميل داخله.. لم أجد شئ يشدني للقصة حتي أكملها ..خرجت مسرع من نصف القصة لم أكن انوي أن أكملها فقد فقدت الاحساس بكل شئ في الداخل..قررت أن أصاحب نفسي واتجوال في شوارع وسط البلد.. جاءني الحنين الي ان ادخن سيجارة بعض هذا الوقت الذي فقدت فيه الاحساس.. وأنا اتجوال اخذتني الذكريات الي عم ميلاد وقررت الذهاب الي قهوة الحرية ..اخذتني ارجلي الي هناك و كاني اعرف الطريق عن ظهر قلب لم افكر ... و جدت نفسي اقف امامها دون تفكير .... دخلت و جلست علي ترابيزةعلي جهة اليمين و شمات رائحة السجاير و نظرت حولي احوال ان اتعرف علي الوجوه .. بالتاكيد تغيرت فقد تركت هنا من اكثر من خمس سنين .... عم الميلاد القهوجي ...... ده راجل سكرة يا تري لسه هنا ..... حوالت ان ادركه بنظري رايته و تملقت تحركاته ..حتي وجدته ينظر الي في شدة .....
( بلال باشا فينك من زمان..عامل ايه و ايه احوالك ) ....( الدنيا ماشية يا ميلاد اخبارك و اخبار القهوة ايه )( اه الرزق ماشي) ( ايه مفيش حد من الشلة بيجي و لا ايه) ( ياه يا استاذ بلال دوا بقالهم اكتر من تلات سنين مبيجوش من يوم الخناقة ) ....في اندهاش ( خناقة ايه يا عم ميلاد)( دي كانت خناقة كبيرة و ناس كتير اتعورت ..حتي انا مسلمتش منها ... و دول كانوا هيكسروا القهوة كلها.....سترها ربنا)....( حد جراله حاجة اه) ( الاستاذ محمود ده راسه اتفتحت و تاني الطويل ده كان تقريبا اسمه مدحت رجله اتكسرت ... بس من ساعتها محدش بيجي ) ...... سالني ميلاد اذا كنت انوي ان اشرب مشروبي المعتاد و لكني لم اكن انوي علي ذللك و طلبت فنجان قهوة..... بعض دقائق جائني بفنجان القهوة ...... و نظر اليا ...( متعرفش الي حصل لصحبتك الي كانت دايما بتعد معاكوا هنا .... كان تقريبا اسمها سلمي)......فستغربت من ساله و سالته لماذا تسال عنها هل هناك شئ حدث..... قال لا تشغل باللك لا شئ ....( بس يا بلال ان هروح اشوف الشغل لو عايز اي حاجة انده عليا).... فابتسمت وهززت راسي .....اخذني عقلي الي مكان الذكريات ....اشياء كنت افتكرت ان البعد عنها نساني ايها .....سلمي حب حياتي كان اجمل شئ حدث لي .... فكرت فيما قاله عم ميلاد حيرني هل حدث لها شئ!
كنا صغاركان كل شئ جميل عندما انظر الي عينها..اتذكر اخر مرة قابلتها عندما ابلغتها اني مسافر من غير عودة.. اني اريد ان انسي كل شئ هنا.. اتذكر عيناها التي كانت تلمعان حابستان للدموع..
علي ان اسال عم ميلاد عم ماذا بقصد بساله عليها..
نديت عليه و سلمت عليه.... تركت عم ميلاد وذهبت لاتجوال في الشوارع.. تايه جوايا بعد ليلة كنت فاكرها هتبقي جميلة بدأت بمسرحية عديمة القصة... انتهت باشياء اخذت تقكيري....
عليا ان اذهب الي خليل الان لاعرف ما قصة هذه الخناقة التي حاكها لي عم ميلاد.......فخليل يسكن علي ناصية ميدان طلعت الحرب.....عقار من الطراز القديم الذي يشعرك بالعمق و الزمان عندما تراه...... طلعت علي السلالم طول عمري مبحبش اركب الاسنسير هنا ..... وقفت امام باب الشقة..... فكرت هل ارن الجلس ام اذهب ...... هل سيعاتبني بعد كل هذه الفترة ..... ام سيرحب بي و يقول لي كم الوحشه صعبة .... و نتذكر ايامنا الحلوة........ قررت ان ارن الجرس ..... مرة و اتنين و تلاتة .... ثم فتحت جارته العجوز بابها و قالت (مين) ..... فنظرت اليها....(مساء الخير يا حاجة انا صاحب خليل و بخبت علي باب هو مش هنا ولا ايه) ( لا يا بني خليل الله يرحمه من زمان يجي اكتر من اربع سنين..بس انت مين يا بني)( انا صحابه من زمان بس كنت مسافر بقالي كتير) ( انت اسمك ايه يابني ) (اسمي بلال يا حاجة) ( عرفتك كان خليل زمان زعلان عشان انت سافرت و سبت البلد و سبته)
اتفضل معايا يابني و انا احكيلك علي كل حاجة..... اتفضل يا بني متكسفش) ........جلست افكر يا تري ايه الحصل حسيت زي ما يكون في جبل نزل عليا ........خليل مات مش قادر اصدق حسيت نفسي برتعش من الصدمة.......استرجعت اليلة من اولها....المسرح .....عم ميلاد ...خليل..... الحاجة جرته.... سلمي.... الخناقة....كوبية الشاي...... طفات السيجارة قبل ما ادخل...... جلست في الصالون كده من بتاع زمان فخامة عتيق اللون و الشكل..... دقائق و دخلت الخادمة بكوبية الشاي و الطفاية........ جاءت الحاجة من الغرفة المجاورة للصالون و معها شنطة سوداء اللون ......... ( بس بقي يا بلال يا بني انا هحكيلك علي الي حصل ساعتها ...... بس انت ازاي متعرفش ..... ده انتوا عشرة عمر ...... معقول مسالتش عليه من اكتر من خمس سنين........ الشنطة دي فيها كل حاجة عرفت اخدها من شقة خليل قبل ما ترجع لصاحب العمارة....فيها صور كتير ليكم و معاكم بنت قده زي القمر..... و كتب و حاجات هو كان كتبها ... انا شلتها عندي و قولت يمكن حد يجي يسال عليه )....... اخدتها منها يا تري خليل كان كاتب ايه !!!!!
( بس يا بني يوميها بليل سمعنا انا و جوزي الله يرحمه خناقة جامدة في بيت خليل ....فظلع جوزي يشوف في ايه و بعد كده شوية سمعنا صوت جامد زي ما يكون في ضرب نار ......فضل جوزي و الجيران يخبطوا علي الباب لحد ما كسروا... لقوا خليل مضروب بالنار حاولوا يسعفوا لكن قدر ربنا ان وصل يا بني .... الله يا رحمه كان زي ابني و اكتر)....( وبعدين يا حاجة عرفتوا مين كان معاه في الشقة.).....( لا يا بني جاه البوليس و حاولوا يعرفوا ..موصلوش لحاجة ....بس كده من ساعتها و الحاجات دي معايا)....( طب يا حاجة استاذن انا شكرا علي كوبية الشاي)....... وصلت للباب و في زي ما يكون مسرحية دوشة في دماغي ....مش عارف ليه و انا نازل من علي السلم زي ما يكون في حد ضربني علي راسي ........
ايه ده انا فين (خليل)!!!!!!!....خليل انت سمعاني......خليل انا بلال... خليل انت مش شيفني و لا ايه ..... انا فين ايه ده سلمي كمان هنا .....يا خليل) ( في ايه يا بلال مالك منا جمبك من الصبح بتزعق ليه).....( افتكرتك مش سمعني امال سلمي فين...... راحت تعمل لحبيب القلب كوبية شاي انت شكلك عيان و لا ايه ...... ايه يا عم بلال ده انت لسه واصل تلحق تتعب كده من الاول ...طب انت ربنا بيحبك طلعت علي طول علي هنا.......حمدالله علي سلامة كنت واحشنا اوي با بلال ...... ادي سلمي جابت كوبية الشاي ....حبيبة القلب بقي )
( سلمي :متحولش يا بلال تنزل تاني خلاص خلصنا من الدنيا دي .....لازم تتقبل بقي انحنا انقطت صلاتنا بكل حاجة في الدنيا....احنا خلاص متنا ).....
غرفة الانعاش في القصر عيني بيحولوا يفقوا بلال بعد ما اغمي عليه لي السلم و الناس نقلته المستشفي...... مات بلال بعد ليلة غريبة .....المسرح....عم ميلاد ....القهوة...سلمي حب حياته......الشلة.....السيجارة ....خليل.... الحاجة الجارته.....كوبية الشاي.....شارع وسط البلد.....
ذهب بلال الي خليل و سلمي الذي لم يقتنع يوما انهم ماتوا و تركوه وحيدا ...... لم يقتنع من اربع سنين انهم ماتوا و تركوا هذه الدنيا البلهاء ... دائما ما كان يكلمهم علي انهم يعيشون معه ....... لقد ترك نفسه لنسيان ..... و نسي انه هو الذي اخذ بيده عزاء صديق العمر ..... و انه رفض الذهاب الي شقته منذ موته ......نسي ان سلمي حب حياته ماتت في حادثة سيارة ( هذا ما كان يسال عليه عم ميلاد) نسي انه هو سبب الخناقة في القهوة و ان الشلة لم تعد شلة منذ ان تركهم و هج داخل نفسه........ بلال مات .....
ساحة النقاش