بقلم : بسمه توفيق
<!--
<!-- <!-- <!-- [if gte mso 10]> <mce:style><!-- /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin-top:0in; mso-para-margin-right:0in; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0in; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} --> <!-- [endif]---->
ياله من يوم شتوي بامتياز ، سار فيه كلاهما يداعب المطر بكفه غير عابئ بشئ ، على نفس الطريق في اتجاهين متضادين ، زخات المطر تعانق نيل القاهرة التي غشاها الضباب والأسفلت يضئ لمعاناً منافساً أضواء السيارات وصوت الزحام الذي توقف فجأة عندما التقت عيناها بعينيه في صمت اصطخب بكل المعاني ، إنها هي مهما مرت السنوات ..... إذن فهذا أنت لم تتغير حتى مع هذا الشارب صدق مَن قال لا تخطئ المرأة رجلاً أحبته يوماً .... اشتقت إليك يا صغيرتي .... كعهدي بك كنت ومازلت وستظل الفارس الأوحد بالنسبة لي رغم كل شئ رغم كل ما حدث... حديث العيون بينهما لم تنته عباراته ولكن المسافة بينهما لم تقصر ، جمد كل منهما في مكانه ولم يقترب خطوة واحدة ، قربهما مستحيل ، قربهما كارثة ، قربهما دمعة مُرَة لا تجف وكيف لا وقد وُلِد حبهما كوردة بين صخور بركان هناك في اعتصام رابعة لتجمع قصة الحب بين عدوين أزليين ضابط الشرطة والفتاة التي ينتمي أهلها جميعاً للفصيل الذي أصبح حاكماً بالأمس القريب ثم أمسى محظوراً ، نعم جمعهما الحب ، أحبته وهي لا تعرف هويته تعرف فقط أنه معهم معتصم من أجل ما اعتصموا من أجله ، وأحبها ولم تخفى عليه هويتها ولم يخفى عليه قلبها الذي حض على طعام المساكين ورفض استغلال فقرهم كسلاح في الاعتصام ، نعم كانت هناك لكن عقلها وقلبها كانا في أفق أوسع يؤمن بكل ماهو جميل لذلك لم تؤمن بما قيل على المنصة وكانت تعلم أن أهلها على خطأ ولكنهم ليسوا شياطين ، إنهم عائلتها وهي لن تتركهم لأنهم أهلها الذين تعرضوا للظلم أياماً طويلة وعاشت معهم الذل والقهر والبكاء المرير في ليالي العيد ولكن لم تكن يوماً معهم كان بداخلها دوماً ما يرفضهم ربما عقلها المستنير أو قلبها الذي استسلمت أبوابه ل حسام فهو مختلف كما هي مختلفة أخوتها كانوا أزهريين -تعليماً فقط وليس ثقافة واستنارة بالطبع- ولأنها الصغيرة المدللة فكان نصيبها مع التعليم الخاص أما حسام فتعليمه أجنبي وقد ظهر ذلك بجلاء في حواره الأول معها حيث ضحكت لكلماته الأجنبية غير المصطنعة عندما تحدث على سجيته معها فخانه اتقان دوره المفترض كمعتصم قادم من الأرياف وأخذت هي تخمن من أين هو ؟ ببشرته السمراء ولكنته غير المميزة والتي لا تدل على انتمائه للصعيد أو المدن الساحلية إنه قاهري على الأرجح لا إنه مصري مصري بامتياز خفة ظله وبساطته وشهامته عندما حمل طعام الافطار للمسنة العجوز ودمعته التي لم يستطع قهرها أمام الطفل الضرير الذي أخذ يأكل من أصناف الطعام بمرح لا يتناسب مع ملابسه الرثة ولا فقر حاله وحال والدته التي واظبت على الحضور اليومي إلى ( رابعة) حيث القوت الذي قد تجده يوماً ولا تجده أيام خارجه ، وقوته التي حال بها بين وفاة أحدهم ضرباً بداع أنه لص دخل الاعتصام وقوة بنيته التي بررها بأنه مدرس تربية رياضية ، ما اسمك ؟ .....حسام وانتي ؟ فاطمة .
⃰ ⃰ ⃰
فاطمة كنت أحب هذا الاسم لأنه اسم السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أفضل الصلاة والسلام - فأنا لست زنديقاً بالطبع كما يظنوننا هم – ولكني لم أكن أعرف أنه سيصير يوماً أغلى الأسماء وأحبها إلى قلبي لأنه اسمها هي فاطمتي المحجبة بحجاب البراءة والطهر والجمال قبل حجاب الرأس الذي لم يحجب عقلها عن الوجود فكانت تتحدث إلى بطلاقة عن كل شئ الدين ، التاريخ ، علم النفس ، الجغرافيا ، الفن لم أكن أدرك أن بين هؤلاء القوم مَن يتذوق الفن أو يعرفه حتى رأيتها وتحدثت إليها كما لم أتحدث لفتاة من قبل حتى أتت على ذكر السياسة فسمعتها وغص قلبي لأنها أعادته للواقع فأنا ضابط وهي ليست مجرمة بالطبع لكنها لن تنتمي بأي حال لعائلتي عائلة كل مَن فيها الآباء والأجداد والأحفاد كلهم ضباط وهي تمقت الضباط بكل كيانها تنتفض غضباً كلما أتى ذكر الشرطة هي العاقلة المثقفة الحيية الحرة تبغضني دونما معرفة منها تكره عملي رغم أنها تحب حسام .
⃰ ⃰ ⃰
عندما أدركت أنه ضابط مادت بي الأرض ... كرهته ليس لكونه ضابط ولكن لأنه خدعني ، لا لم أكرهه بل كرهت حبي له لكني لم أنبس لم أخبر أحداً بما عرفت و تحاشيته تماماً وانقطع بيننا الحديث حتى آتاني حيث اعتدنا أن نلتقي لجلب طعام الافطار قبيل الغروب وناداني بنبرة حنون : فاطمة فوجدت نفسي ألتفت إليه كالمسحورة واستغرق في حديث طويل ولم تجبه سوى عبراتي عندما أخبرني بأن مهمته انتهت وأن ضابط المباحث حبيبي سيعود أدراجه ليأتي زملاؤه ويكملوا مهمتهم بفض الاعتصام هنا اتسعت عيوني وهاجمته بغضب : بكل بساطة تخبرني أن زملاءك قادمون ليقتلوا أهلي...ورد : لسنا قتلة يا فاطمة زملائي ينفذون القانون فرددت : أي قانون القتل قانون الاعتقال قانون الذل قانون ؟ كم من مجازر ترتكب باسم القانون يارجل القانون وهنا علا صوتي و في المقابل تشنجت ملامحه بالألم والغضب والدهشة والحنان وأخذ يستحثني على المغادرة لأن السلاح الموجود داخل الاعتصام سيجعل المواجهة دامية و زدت في تحديه ساخرة : أي سلاح ؟ الأطفال سلاح ؟ النساء المؤمنات الساجدات سلاح ؟ المسنون سلاح ؟ لا تخف وصدقني الموت هنا أشرف حتى وإن لم يحظى المرء بجنازة عسكرية وناداني بحدة كأنما يرغب في إفاقتي : فاطمة ، كفى ولم أخفض صوتي ولم أكف كأنما راقني لقاءه وإطالة الوقوف أمامه رغم العراك حتى كاد رجال اللجان الشعبية يسمعوننا فسكت ووقف أمامي صامتاً ولكن الكلمات الغاضبة الحزينة الشجية اليائسة بقيت عالقة بيننا وازدحم الناس وأخذت المسافة بيننا تزداد وتزداد وظل كلانا واقفاً دون حراك كما نقف الآن واسم كلينا معلق بلسان الآخر لا يغادره أنا أحبه ولذلك فقد غادرت الاعتصام حتى لا ألتقيه هناك وتفضحني عيوني فأُضبط بجرمي المشهود .
⃰ ⃰ ⃰
فاطمة وحسام عزيزي القارئ هما شخصان وهميان لا وجود لهما في الواقع وربما كانت قصتهما أسطورة غير مقبولة الأركان بالنسبة للبعض وغير منطقية بالنسبة للبعض الآخر ومع احترامي للجميع فإني أدافع عن هذا الثنائي وعن قصته التي تبدو معقولة إذا ما قورنت بالأساطير التي نسمعها كل يوم عن وجود انقسامات بالجيش المصري وأن البوارج الأمريكية على مشارف السواحل المصرية وأن الأطفال في بطون أمهاتهم يرفعون اشارة رابعة وأن تشجيع المنتخب الغاني هو عقاب للانقلابيين على حد زعم الزاعمين وأن وزارة الداخلية هي مَن دبرت حادث كنيسة الوراق وغيرها وغيرها من أساطير الكراهية التي تهدف عبثاً لبث سموم الفتنة والفرقة والضعف في كيان الدولة الوطنية المصرية وبالتالي فوجود أسطورة عشق ولو كان مستحيلاً في خضم هذا العفن هو أمل في وطن له مستقبل أفضل رغم الصعاب وهكذا تقول الأسطورة.
ساحة النقاش