كتبت_ إيناس محمود
مصر صاحبة التاريخ الزراعى الطويل، فمنذ نشأة الدولة المصرية القديمة كانت الزراعة أحد وأهم مقوماتها الأساسية، مصر دولة النهر والزراعة حيث ارتبطت حياة المصرى القديم بالنيل وزراعة الأرض وجعل لها إله أعظم وهو أوزيريس إله الزراعة والخضرة والبعث المرتبط بفيضان النيل. ظل النهر ولكن اختلف الإنسان وتطورت الحياة وغمرتها التكنولوجيا وبدل من أن يزداد الإهتمام بالزراعة ويطور الإنسان المصرى زراعته وأساليب الإعتناء بأرضه فتحقق مصر إنتاجية زراعية عالية وتصل للأمن الغذائى ونواصل تفوقنا فى السلع الزراعية التى تميزنا بها كالقطن المصري،
لكن، يحدث العكس تماماً.. تتبدل ملامح الريف المصرى ويفقد خضرته وجماله وتغطى المبانى العشوائية لتلتهم الأرض الزراعية وتنفجر القرى من الكثافة السكانية وتزحف على الأرض بشكل عشوائى، ويتحول الفلاح الفصيح المنتج لإنسان عليل وجسد هزيل وعقل معطل وأمية متوحشة تنتشر بين الأجيال وتتوارث ورعاية صحية شبه منعدمه على الرغم من إنتشار الوحدات الصحية فى أنحاء البلاد إلا وأنها مجرد مبانى وهياكل بلا أى خدمة حقيقية تؤديها.
وهجر معظم أهل القرى مهنتهم الأساسية وهى رعاية الأرض وزراعتها وإنتاج أكله ليتحولوا للمهن الحرفية أو العمل فى البناء والتشيد... وأصبحت الفلاحه مهنه لاتتوارثها الأجيال فى الريف بل يتزاحمون على مهن هامشية، لأنه ببساطه لم تعد الأرض مصدر للرزق مع فشل الدولة التام فى توفير السماد وإحتياجات الفلاح بأسعار ملائمة ومساعدته على تسويق منتجاته بأسعار توفر له دخلا ومصدر لرزق أسرته.
العامل الزراعى والمستأجر والفلاح الصغير يئن تحت وطأة الفقر والإحتياج ولا يسعى لتوريث مهنته لأبنائه، فنجد تناقص فى عدد العاملين بالفلاحه والزراعة. فإذا تصادف ونزلت فى جولة لأحدى القرى وتبادلت الحديث والنقاش مع الناس ستجد جملة تُقال على الألسنه وهى "الأرض مش بتجيب" فى إشارة منهم إلى أن الأرض الزراعية لم تعد مصدراً للدخل، فلو فكرت فى أن تمشى فى شوارع القرية ستجد مخبز أو كما يسميه الناس "طابونه" يتزاحم عليه أهل القرية لشراء الخبز!!!!!!، فلاح ولا يصنع خبزه فى بيته ومن قمح أرضه، فلاعجب فى أن مصر لاتستطيع تحقيق الأمن الغذائى وتوفير إحتياجاتها من تلك السلع الزراعية الضرورية وأهمها القمح، كيف لنا بتحقيق ذلك والفلاح لايأكل من فأسه.
إن بحثنا عن وصف ملائم لما جرى فى الريف المصرى وثقافته وقيمه الإنتاجية لا نجد أنسب من وصف ماحدث على مدار عقود أنه عملية إتلاف قد جرت للفلاح والريف المصرى، وأصبحت مصر تعتمد على الواردات الزراعية لتغطية إحتياجاتها الغذائية، فـ 57% من سكان مصر يعيشوف فى الريف ومع ذلك فهم يتمتعون برعاية صحية وخدمات إجتماعية وبنية تحتيه وخدمات تعليمية أقل بكثير من الحضر، وهذا لايعنى بالطبع تدنى مستوى الخدمات عموما فى مصر من شرقها لغربها، فإن أردنا تنمية وأمن غذائى لابد لنا من نقطة بداية من القرى والريف المصرى نبدأ التنمية ونعطيه حظه وحقوقه من مخصصات وميزانية الدولة وتوفير كافة الخدمات الأساسية ليكون هناك إنسان مصرى صحيح العقل والجسم، ولايتحول الريف لمخزن من البشر المعطوبين بدنيا وعقليا.
وتمثل الزراعة حاليا 14 % من الناتج المحلى الإجمالى !!!!! ، وستتناقص تلك النسبة لأن لأرض يأكلها خطر التجريف والعمران والبنى العشوائى وينصرف عنها أهلها، سنصبح يوماً غير قادرين على زراعة الجرجير أو الخس وليس القمح.
إمنعوا عنهم المخابز ليعودوا لأفرانهم ويصنعوا خبزهم.
قدموا لهم مايلزمهم ليزرعوا الأرض قمحاً.
إجعلوا منه فلاحاً فصيحا يزرع ويمسك بفأسه وتجرى الحكمه على لسانه.
ساحة النقاش