كتب_حسام حسن
قبل 2500 عام، قال أفلاطون "رواة القصص يحكمون المجتمع"، وكان محقا في ذلك لما للقصة من قوة وقدرة على تشكيل وعى وشخصية قارئها، فضلا عن حالة الإيهام التي تخلقها لدى المتلقي وتأسر حواسه؛ ومثلت تلك الحقيقة نقطة انطلاق لبعض الحكومات الناجحة التي تسعى لاستغلال كل الإمكانيات المتاحة لزيادة الدخل القومي، وعلامة على خيبة وفشل حكومات أخرى.
ففي إيطاليا، استغلت الحكومة منزل في وسط مدينة فيرونا؛ نصت رواية روميو وجوليت للكاتب الانجليزي وليام شكسبير، على أن شرفته شهدت بداية أشهر وأقوى قصة حب في الثقافة الغربية، إذ نجحت السلطات قبل أكثر من 80 عاما، في ترميم المنزل وادخلت عليه بعض الإضافات ومنها الشرفة الشهيرة التي لم تكن موجودة منذ بناء المنزل في القرن الثالث عشر الميلادي.
وبمرور السنوات، أصبح المنزل والفناء المحيط به، مقصداً سياحياً يُمثل كنزاً للسياح الرومانسيين، حيث يتردد عليه ما يفوق النصف مليون زائر سنويا، يصعدون إلى المنزل ويتفقدون حجراته ويشاهدون عن قرب مقتنيات ملهمتهم جوليت، ويبتاعون الهدايا من متجر داخله.
فيما تقف العاشقات الصغيرات في الشرفة الشهيرة وينتظرون روميو الخاص بكل منهن، ولا يخلو الأمر من الدموع وصيحات الإعجاب، وفي الفناء يحوم الزائرين حول تمثال برونزي لجوليت شيده الفنان "نيرو قسطنطيني"، للتبرك به، والجلوس في حضرته لكتابة رسائل إلى جوليت وتعليقها على الجدران.
أما في مصر، فينطبق وصف "عظمة تتلاشي" على ملامح مدينة الإسكندرية القديمة وقصورها التاريخية، إلا أن منح الحكومة تصريح لأحد الملاك بهدم فيلا "إمبرون"، التى ألهمت أحد أشهر ادباء العالم، لورانس داريل، أثناء كتابة رباعيته العالمية عن الإسكندرية (جوستين- بلتازار- ماونت اويف- كليا)، كان بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير.
فالمدينة التى تفقد تدريجيا جمالها القديم، على وشك لفظ أحد أشهر معالمها وأهم كنوزها على الاطلاق؛ المنزل الذى عاش فيه الكاتب الانجليزي الشهير أثناء الحرب العالمية الثانية وشهد ميلاد الجزء الأول من رباعيته عن المدينة الساحلية التى وصفها بـ"مدينة الذكريات".
والفيلا التى تقع في شارع المأمون بحي محرم بك العريق بالإسكندرية، شيدت على الطراز الإيطالي عام 1920، وكانت ملكاً لعائلة المقاول الإيطالي «إمبرون» وزوجته الفنانة التشكيلية إميليا، ويعد البرج الأثري الملحق بها من أروع ما يميزها، ويجعلها تجمع بين سمات الفيلا والقصر معا. واستأجر داريل الطابق العلوى وعاش فيه حتى مغادرته الاسكندرية بشكل نهائي بعد العدوان الثلاثي عام 1965.
وقبل أيام، أطلقت صحيفة ديلي تليجراف البريطانية صرخة لإنقاذ الفيلا التي يعتزم مالكها هدمها وتشييد أبراج سكنية محلها، مشيرة إلى أن مجموعة من النشطاء والمرشدين السياحيين والمهتمين بالتراث يحاولون إنقاذ "الأثر التاريخي"، ونحن نطلق نفس الصرخة، لعل العقل يعود ولو لوقت قليل في زمن ساد فيه الإهمال وغابت فيه الرشادة، وأصبح تبديد ثروات الوطن عادة يومية مثلها مثل عادة تبديد كرامة المواطن.
ساحة النقاش