ثم أبكي

كتب : هاني كشك

أسجد وأدعو الله في تضرع و خيفة .. في ظلمة الليل أرفع يديك في خشوع و إستسلام و أطلب شىء واحد فقط وهو في الحقيقة كل شىء أطلب الغفران .. أسجد و أستمر في السجود و أرتجف و أعترف بضعفك و إنكسارك أمام الجبار ما أنت إلا كائن سيموت وتعود إلى الارض مرة أخرى .. أدعو الله في خشية و ذل .. تذكر قد يكون السجود الاخير .. 

ثم أبكي 

قف في المطار وراقب لحظات الوداع هذا يحتضن زوجته ثم يجلس على ركبته ويحتضن أولاده و عيناه تلمع لا من ضعف و لكنه سؤال يتردد داخله هل سأعود ؟ ثم أسأل نفسك كم شخص ودعته في نفس المكان و لم يعد أو عاد داخل صندوق خشبي وكنت في إنتظاره تذكر فمنذ زمن قريب مددت يدك اليه و كأنك تلمسه اللمسة الاخيرة .. كنت تشعر أنك لن تراه مرة أخرى .. 

ثم أبكي 

قف أمام القبر وتذكر كم ودعت من الناس و اسأل نفسك متى يودعك الناس ؟ متى أنزل إلى هنا بلا رفيق ولا جليس يرافقني .. كم شخص يقف معك لحظة وداع شخص اخر و لكنكم ذهبتم جميعًا و تركتموه يواجه مصيره الحتمي ولو نزلتم معه ما منعتم عنه شىء .. هي لحظة لا بد منها ستأتي عليك وستذهب وحيدًا فقف و تأملها الان فلو أنك لم تتأملها فما فائدة ذهابك إلى قبر لتودع شخص ما .. 

ثم أبكي

قف أمام السجن وشاهد كم شخص يخرج منه لينعم بحريته بعد ما فقدها لأعوام وربما فقد معها أشياء أخرى لن يعوضها من مهانة و ظلم .. و ربما كان برىء .. ربما كانت تهمته أنه قال كلمة الحق فقط قال الحق و هل هذة تهمة ؟ .. نعم عند الظالمين تهمة .. يخرج و هو يضع يده على عينيه من ضوء الشمس و كأنه يراه لأول مرة .. و ضع نفسك مكانه .. 

ثم أبكي 

على شاطىء البحر و في الغروب أنظر للمحبين في كل مكان ستجد منهم من يكتب نهاية قصته وتذكر حبك القديم و كيف أنتهى .. ربما تعلمت خلال السنين كيف تحافظ على حب اخر حقيقي أو ضروري .. المهم انك قديمًا كنت تظن أن الدنيا يجب أن تتوقف عندما إنتهت قصة حبك و لكن الدنيا لها رأى اخر .. ترى أن تستمر بكل ما فيها من مآسي .. 

ثم أبكي 

أبكي .. فالبكاء نقاء للنفوس 

فأنت إما أن تبكي ندمًا أو تبكي فرحًا أو تبكي إشتياقًا 

أبكي فربما تأتي عليك لحظة فتجد الدموع قد جفت أو تجد المأق قد رفضت 

أبكي على حالك أو حال غيرك . أبكي لتطهر نفسك من لوث الدنيا . 

الاطفال يبكون من أجل الدمي و لكنك ستبكي على إنسانيتك التي تبددت عبر الزمان .