كتب_ خالد عيد
لم يكن خروجى مهما فى هذا المساء فى البداية .. وما لبث ان اصبح اهم يوم فى حياتى .
بجوار سينما فاميلى المعادى وقد قاربت الساعة الثامنة مساء .. كنت والأصدقاء نقف متأملين المكان .. نملأ وقتنا الشاغر بالتسكع .. نحدق فى الزائرين .. غير مبالين بيومنا .
لمحتها تقف مع صديقاتها .. اول من لفتت نظرى بين صديقاتها الثلاث .. ربما لجمالها الشديد .. نعم فهى اجملهن .. انيقة وجذابة .. شعرها الاصفر المنساب على كتفيها .. وكأنه شمسا مشرقة تخترق قطع الليل.
صرت لا ارى شيئا من حولى سواها .. اصدقائى قد هجرت حديثهم .. هم ايضا يلاحظون ذلك .. وبدا عليهم مشاركتى فى التطلع الى الجميلات التى يقفن امامنا على الجهة الاخرى من الشارع .
حاولنا اختلاق اى حديث او اى فكرة توصلنا للتعرف عليهن .. بدا التركيز علينا .. هم يركزون فى الفكرة .. وأنا اركز معها . نبتت فكرة برأس احد اصدقائنا .. وهى ان نذهب اليهن ونسألهن ان كانوا يردن ان يشاركوا فى حملتنا الثقافية والاجتماعية لنعلو من شأن حى المعادى .. وهل يحببن ان يشاركن معنا؟
ومن ثم لجأنا الى هذه الفكره لكى تبدو اكثر منطقية .. فهن اربعه بنات يقفن امام سينما فى المعادى .. ونحن ايضا نقف فى نفس المكان .. اذ من الممكن ان يكون قد جمعنا القدر ويكونوا على قدر من الاهتمام بمثل هذه الاشياء .. ونحن طبعا سنكون هؤلاء الشباب الذين سيقدمون لهن تلك الفرصة فى المشاركة النبيلة .. بالرغم من ان احدنا لم يعرف شيئا عن مثل هذه الامور وهذه التنظيمات .. اللهم إلا واحدا منا وهو من طرح الفكره.
ذهب صديقنا تجاه الفتيات الاربع .. وبدأ صاحب الفكره يلقى ما عنده .. لم اسمع ما يقوله .. فقد كنت منشغلا بعيون الرقيقه .. وبدا انها لاحظت ذلك .. فتناثرت قطرات الخجل على وجنتيها .. ارتبكت لارتباكها .. كانت مثلى لا تنتبه لأحاديثهما المفتعله .. كنت انا منتبه معها .. وهى تنتبه لى لانتباهى بها !
كان وجهها مألوف لدى بشكل ما .. لا اعرف هل رأيتها من قبل .. ام كنت احلم ان اراها .. لا اعرف .. كل ما اعرفه انها كانت تعيش وتنبض فى خيالى .. ما هذه الفتاه العجيبة .. اشعر بألفه غير معروفه الهوية نحوها .. وكأنى اعرفها منذ سنين .. وكأنى كنت انتظرها .. وهذا هو كل شيء .
كنا قد اتخذنا مكاننا بعيدا عنهم بعض الشيء .. بعد يسمح بانفراد كل منا للآخر .. نظرت لأصدقائى فوجدتهم منشغلين بأحاديثهم .. نظر الى احدهم غامزا بعينه مبتسما .. فهمت مغزى ابتسامته تلك .. يظن بأنى قد '' علقت '' البنت.
وجدتنى انظر للسماء الرمادية والقمر الحزين المعلق .. اتوسل اليهم ان يساعدونى على روعه نجمتهم السماويه الساقطة الينا من الفضاء .
قلت لها محاولا ان التقط طرف الحديث:
انتم بجد ناويين تشتركوا فى الحملة؟
انفرجت شفتاها عن اسنان كاللؤلؤ ناصعة البياض وهى تضحك بشده .. شاركتها الضحك انا ايضا .
..
هل تحبي أن نمشى شويه مع بعض .. قلت لها
هزت رأسها فى قبول وابتسمت وسرنا معا لا ندرى الى اين تكون وجهتنا .. فقط كنا نتخلل الليل ونغوص فيه اكثر حتى تغولنا بداخله وصرنا جزءا منه .
كان الهواء البارد يلفحنا وكنت ألاحظه يداعبها بلطف .. كان كلما لامس وجهها وشعرها تتطاير خصلات منه تداعب عينيها فتزداد حينها جمالا على جمالها .. كلانا لا يعلم كيف انه منذ دقائق لم يكن يعلم الاخر والآن هو يسير بجانبه لا لشيء سوى فقط انه يريد ان يفعل ذلك .. ما سر انجذابنا لا اعرف ولا اظنها تعرف ... ظللنا نتهادى على الطريق وكل منا يرمق الاخر بنظره خاطفه دون ان ينبس ببنت شفه .. حتى سألتها انا عن اسمها فقالت فى هدوء: أمنيه ... فرددت عليها بأن اسمى خالد .. وما لبث ان تدفق بيننا حديث رقراق كعيونها ..حتى تدرج ووصل الى منعطفات وصلنا لها سريعا .. وما ان اخبرتها انى شاعر حتى تهللت وسألتنى :
_ انت شاعر ! عن ماذا تدور قصائدك .. وهل تكتب فى الحب ؟
_ طالما ابحث عن الحب فى قصائدى .. وللأسف لم اجده
_ لماذا ؟ هل الحب صعب لهذه الدرجه ؟
_ بقدر نوع الحب الذى تبحثين عنه تكون درجه الصعوبة .. فمثلا انا لا ابحث عن الحب بإحساس مصطنع او مزيف .. او مجرد علاقات عابره ... حتى انى لا افضل حب الطرف الواحد .. فهو اصعب انواع الحب
_ احيانا لا نمتلك القدره على التمييز .. الحب يأتى بدون سابق انذار
_ الحب يأتى حينما ندعوه نحن ان يأتى .. فما معنى ان نحب من ليس لنا من البداية .. هكذا نصنع جرحا لأنفسنا او للطرف الاخر
همهمت وابتسمت ولم تعقب .. وبدأت نظراتنا لبعضنا غريبه نوعا ما .. نظرات انثويه تقابلها نظرات رجولية .. عفويه جدا وبدون اى تزييف او ترتيب .. لكن هل يمكن ان يحدث هذا فعلا ؟ .. هكذا سألت نفسى محاولا ان اجيب عن تساؤل العقل لما يحمله القلب ... نعم .. انا الذى اكتب فى قصائدى دوما عن مواقف شبيهه بهذا فعلا .. أليس انا من اؤمن بهذا .. اذن فماذا عنها هى؟
_ من دقائق كنا غريبان عن بعضنا .. والآن نسير معا .. هل عندك تفسير ... قالت بود قطع حبال تساؤلاتى قطعا .. فانتهزت الفرصه وصرت اتكلم وكأنى ابدأ فى كتابه قصيده جديدة:
_ ليس عندى إلا تفسير واحد .. اخاف اقوله
_ لا تخف .. قل ... هكذا ردت فى لهفة
_ اريد ان اسألك سؤال واحد قبل ان اقول
_ اسأل
همست : هل تعود الجمال ان يرافقك دوما هكذا
حال وجهها الى اللون الاحمر كثمره الطماطم ونظرت الى الارض فى دلال وابتسمت ... حتى اطلقت العنان للمشاعر فقلت : اتريدين ان اقول لك تفسير ما يحدث .. فى كلمه واحده فقط ... احبك
توقفت بغته وتسارعت انفاسها على نحو ما ثم رفعت رأسها الى السماء ونظرت لى نظره كانت مزيج من المفاجأة والدهشة و الفرح .. فانفرجت شفتاها بابتسامه على استحياء رسمت على وجهها اجمل معانى الكون ... كنت امامها اظل منتظرا حتى بدت انها ادركت انتظارى فما لبثت ان قدمت لى يديها الاثنين كبساط ساحر فتلقيت اشارتها على الفور ومددت يدى احتضنت يدها وقبلتهما وما هى إلا ثانية حتى كنا كتله واحده من الحب .. احتضنتها بقوه وحلقنا معا فى حركه دائرية .. وكأننا نقول للعالم كله اننا نحب .. هكذا فقط .
لم يكن خيالى قادرا على ان يصل لهذا الحد الذى يجعلنى اتوقع حدوث كل هذا وفى هذه المده القليله .. لم تكن بعيده كل البعد فمنذ رأيتها اعجبت بها حتى تصاعدت حده موجاتى العشقيه وتناثرت الكترونات الحب فى روحى حتى باتت النتيجة الحتمية لهذا التفاعل الداخلى هو اننى .. أحبها .. هكذا بكل بساطه .. لكنى فقط لم اتخيل ان يكون رد فعلى بهذه السرعة .. تضاعف حديثنا الودود فسألتنى عن مكانى المفضل الذى اجلس فيه ليلا .. فأجبتها فى ود :
احب دائما الذهاب الى كافيتريا صبا على الكورنيش .. هدوء ونيل .. اشعر بالاسترخاء هناك .. وابنى عالمى الخاص .. هل تحبين ان تأتى معى الى هناك
_ بكل سرور طبعا .. على الاقل حتى اتعرف على عالمك الخاص هناك
_ سيعجبك جدا .. أنا متأكد .. غدا نتقابل الساعة 7 مساء .. ونذهب الى كافيتريا صبا مع بعضنا ... هزت عنقها موافقة فى مرح .. فاستطردت : بحكم انى شاعر استطيع ان اقل لك بأنك اجمل قصيده متجسدة رأيتها فى حياتى
نظرت لها برقه ورومانسيه افلاطونية
_ ستقضى اجمل يوم فى حياتك .. اعدك
لم افلح ...
بخيبة امل قالها صديقنا .. تنبهت له على الفور فأدركت اللحظه التى انا فيها الان .. واقفا انا وأصدقائى مستندين على جانب سيارة متوقفة .. نظرت امامى فوجدت الفتيات الاربع قد رحلوا ووصلوا الى اخر الشارع .. وتسير بينهم .. امنيه .. هل اسمها فعلا امنيه ام كان الاسم مجرد هذى فى هذا الحلم الطويل ؟ .. لم اكن ادرى اى شيء .. وسرنا انا وأصدقائى نكمل باقى يومنا كالمعتاد .. مستوعبا بأن كل ما حدث فى خاطرى هو مجرد غفوة سريعة .. لكنها كانت غفوة رائعة بحق وأجمل من الواقع .
وكانت هذه هى اخر مره ارى فيها تلك الفتاه الجميله قبل ان اراها ثانيه فى اليوم التالى فى كافيتريا صبا على كورنيش النيل فى السابعة مساء.
ساحة النقاش