بقلم :ايمان زهران
لقد أدى إدخال البعد البيئى فى مجال الأقتصاد إلى تغير مفهوم التنمية الأقتصادية من مجرد زيادة إستغلال الموارد الأقتصادية النادرة لإشباع الحاجات الإنسانية المتعددة والمتجددة إلى مفهوم "التنمية المتواصلة أو التنمية المستدامة " حيث تعرف التنمية المستدامة أو المتواصلة بأنها نوع من أنواع التنمية تفي باحتياجات الحاضر دون التعدى على حق الأجيال القادمة في تحقيق متطلباتهم، فالتنمية المتواصلة لا تمنع استغلال الموارد الاقتصادية مثل المياه والنفط والغابات، ولكنها تمنع الاستغلال الجائر لهذه الموارد بالدرجة التي تؤثر على نصيب الأجيال القادمة من هذه الموارد، وخاصة إذا كانت موارد قابلة للنضوب أو غير متجددة كالنفط مثلاً. كذلك ؛ تمنع التنمية المتواصلة تحميل الأجيال القادمة أعباء إصلاح البيئة التي تلوثها الأجيال الحالية.
وأصبح هناك تفرقة في نظريات التنمية الاقتصادية بين التنمية التي تراعي الجوانب البيئية وتعرف بالتنمية الخضراء أو المتواصلة أو المستدامة وبين التنمية الاقتصادية البحتة التي لا تراعي البعد البيئي والتي أصبحت محل انتقاد من كافة الأوساط والمؤسسات الاقتصادية العالمية؛ لدرجة أن البعض يطلق عليها "تنمية سوداء" . ولقد أصبحت المؤسسات الاقتصادية العالمية تهتم بإعداد حسابات قومية على أساس مراعاة البعد البيئي، وتعرف باسم "الحسابات القومية الخضراء" وهي حسابات تقوم على أساس اعتبار أن أي تحسن في ظروف البيئة وفي الموارد الاقتصادية هي زيادة في أصول الدولة، وأن أي تناقص في الموارد الاقتصادية أو إضرار بالبيئة هو زيادة في التزامات الدولة ونقص في أصولها.
فى ذلك الإطار ظهر ما يعرف حاليا بالإقتصاد الأخضر والذى بدورة يعمل على تغير مفهوم الأمن القومى المرتبط قديما بالأمن العسكرى . فالتفسير الشامل للأمن القومي في الوقت الراهن هو قدرة الدولة على تأمين استمرار مصادر قوتها في كل المجالات بما فيها المجال الاقتصادي لمواجهة المخاطر التي تهددها وتأمين متطلبات الحياة الأساسية لأبنائها في الحاضر والمستقبل، ويرتبط هذا التأمين بتلوث البيئة أو الاستخدام الجائر للموارد الذي قد يؤدي إلى خلل داخلي وانهيار عناصر قوة الدولة، ولذلك أصبح التحدي الذي يواجه العالم على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي يتعلق بالتوفيق بين النمو الاقتصادي والسكاني من ناحية، وبين الحفاظ على العناصر الأساسية للحياة من خلال الحفاظ على البيئة من ناحية أخرى. ومن هنا أصبحت المشاكل البيئية من الممكن أن تهدد الأمن القومي من خلال التأثير على الانتعاش الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
أن تأثير المشاكل البيئة قد أمتد إلى تغيير مفهوم الأمن العالمي الذي انتقل من "توازن القوى والردع والتعايش السلمي والأمن الجماعي إلى مفهوم آخر هو "الأمن المشترك" والذي يقوم على أن الأمن الحقيقي لا يمكن توافره إلا من خلال التعاون والتنسيق بين جميع الدول حتى الأعداء، وذلك لأن تدمير البيئة من خلال النشاط الاقتصادي يؤدي إلى الضعف الاقتصادي والاجتماعي وتهديد نوعية الحياة للإنسان على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، و ومن ثم يصبح التنافس بين الدول أكثر ضراوة، ويؤدي إلى نشوب توترات سياسية؛ ولذلك أصبح هناك تداخل بين المشاكل الاقتصادية والسياسية من جانب وبين المشاكل البيئية من جانب آخر. إضافة إلى أن التدهور البيئي قد يؤدي إلى اشتعال الصراعات بين الدول. ونظرا للعديد من الأزمات المتسارعة خلال العقد الحالى خاصة ما يتعلق بأزمات المناخ والتى بات من الصعب السيطرة عليها والتنوع البيولوجى والغذاء وإشكالية إيجاد حلول تعاونية تساعد على إطعام 9 مليار شخص بحلول عام 2050 والمياة خاصة مع وجود تنبؤات بحدوث فجوة متنامية بحلول عام 2030 ما بين الطلب السنوى على المياة العذبة والموارد المتجددية وكذلك ما يتعلق بالنظام المإلى والأقتصادى. فبالنظر لتلك الأزمات نجد أن جميعها تشترك فى صفة رئيسية وهى سوء استخدام الموارد وتوظيفها . بالمقابل ؛لا يوجد تعرف متفق علية لفكرة " الإقتصاد الأخضر" ولكن نجد أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة تعريفا عمليا يفهم من خلاله بأن الاقتصاد الأخضر اقتصاداً يؤدي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي مع العناية في الوقت نفسه بالحد على نحو ملحوظ من المخاطر البيئية وحالات الشح الإيكولوجية. وأما على مستوى عملي أكثر؛ فيمكن إدراك الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يوجه فيه النمو في الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص من شأنها أن تفضي إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوث ومنع خسارة التنوع الإحيائي وتدهور النظام الإيكولوجي. وهذه الاستثمارات هي أيضا تكون موجهة بدوافع تنامي الطلب في الأسواق على السلع والخدمات الخضراء، والابتكارات التكنولوجية، وكذلك في حالات كثيرة بواسطة تصحيح السياسات العامة الضريبية والقطاعية فيما يضمن أن تكون الأسعار انعكاسا ملائما للتكاليف البيئية.
لقد اكتسب مفهوم الاقتصاد الأخضر شهرة دولية إضافية عندما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقتضى قرارها 236/64 المؤرخ 24 ديسمبر 2009 أن تنظم في عام 2012 مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، الذي من شأنه أن يركز على الموضوع المحوري الخاص بالاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر.
أسس الاقتصاد الأخضر تنطلق من تشجيع الاستثمار ودعم الاقتصاد من خلال القطاعات البيئية وتأمين مساراً لتحقيق التنمية المستدامة وضمان مبادئ قمة ريو 1992 المصادق عليها من جانب الدول العربية ؛ وإن كان أن البلدان العربية رأت أن اعتماد أى مفهوم للأقتصاد الأخضر يجب أن يكون من خلال عملية تحول تدريجى بطرق تتوافق مع الخصائص الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة تستهدف إطلاق المشاريع الخضراء ؛ وإعادة توجيه أنماط الإنتاج والإستهلاك بما يتوافق مع المنظومة الإقتصادية الحديثة .وهو ما يتم الإسراع نحوه حاليا.
ساحة النقاش