الكتاب: أنا مش عانس
سلسلة عشرينات
المؤلف: ليلى حلاوة
المحرر: محمد فاروق عجم
بالرغم من أنهم لم يرونها سوى مرة واحدة فقط في يوم زفافي، إلا أنهم دائما ما يسألون عنها: هل تزوجت؟، فأرد عليهم وأقول: "لا".
ترد من تسألني: "لا حول ولا قوة إلا بالله.. هو محدش بيتقدم لها خالص؟"، فأرد بدوري: "بالعكس.. هناك من يتقدم طالبا الزواج منها".
وتتوالى الأسئلة، "لماذا ترفض، دي كبرت في السن، هي مستنية ايه؟".. فأرد مثلما هي الحقيقة التي أعرفها جيدا عن صديقتي الأهم والأغلى: "إنها لم تقابل بعد من ترى فيه زوجا وحبيبا لها".. فيتعجبون: "أهو كله زواج.. مش أحسن من قاعدة الندامة!!".
ولأنهم جميعا من قلب الريف، فهم لا يتقبلون أن تظل الفتاة دون زواج، وإذا ظلت دون زواج إذن فالعيب فيها أو أن شكلها غير مقبول وبالتالي فلن يرغب فيها العرسان؟..
لا يعرفون أن الزواج لمجرد الحصول على فرح وفستان ولقب "متزوجة" لم يعد يهم كثير من الفتيات.. فالأهم هو أن يجدوا الشخص الذي يرون فيه شريكا مناسبا يحتملون العيش مع تفاصيله بل يحبونها ويعشقونها في آن واحد.
...
هذه هي جوهر الفكرة القائم عليها هذا الكتاب، فالأهم من الزواج هو اختيار الزوج والتدقيق في تفاصيل شريك الحياة، لأنه ببساطة سيكون شريك "حياة"، والحياة التي نعيشها مرة واحدة لا تستحق أن نتقاسمها مع شخص لا نرغب فيه أو نتشكك في قدر السعادة التي سيمنحنا إياها، والتي نستطيع ردها له أضعافا مضاعفة إن أمكن.
هناك بالفعل عدد من الفتيات ممن اخترن عدم الزواج عن طيب خاطر لأنهن لم يجدن من تميل إليه نفوسهن الحائرة الباحثة عن شاطئ أمان. وبالعكس منهن كانت هناك كثيرات من بنات حواء ممن خضعن لضغوط المجتمع وإلحاح الأهل، وأيضا خوفهن الشخصي من المستقبل وغيرتهن أحيانا من زميلات الطفولة اللاتي سبقنهن إلى عش الزوجية.
فما كان منهن إلا أن تزوجن بأول من دق الباب، مخالفين بذلك رغباتهن وغير مطاوعين لأحلامهن.. دخلوا عش الزوجية مع شريك حياة يتشككون في قدرتهم على تقبله أو في قدر الهناء والاستقرار الذي سيحصلون عليه معه.. وكانت النتيجة هي كما توقع بعض الناصحين أنهم حصلوا على لقب "مطلقة" بدلا من لقب "عانس" الهاربين منه بأقسى سرعة لديهم!.
وبالرغم من تحفظنا على لقب "عانس" إلا أننا نضطر إلى استخدامه أحيانا محاطا بعلامتي تنصيص، وكان لرأي د.أحمد عبد الله، الطبيب النفسي والخبير الاجتماعي، صدى في نفوسنا حينما كتب قائلا: "لماذا لا نسمي مثل هؤلاء الفتيات بـ"البتول"، أو نَصِفُهُنَّ بـ"المقصورات في الخيام" مثل الحور اللاتي لم يمسسهن أنس ولا جان؟". وذلك بدلا من لفظة "عانس" التي تكرهها الفتيات لما تحمله من حروف قاسية ومشاعر مؤذية.
وبين من أقبلت على الزواج غير مستعدة وغير حاسبة لحساباتها، وبين هؤلاء ممن رفضن تماما الزواج سوى بمن تهواه أعينهن وقلوبهن ويتملك عقولهن. كان هناك أيضا الفتيات المميزات الملقبات بالبدور أو الشموس.. فالجميع يدور حولهن دون محاولة وحيدة للاقتراب، خوفا من الاحتراق أو خوفا من الرفض أو خوفا من التعالي.. فلم يتقدم إليهن أحد بالرغم من جمالهن وتفوقهن وتميزهن في كل شىء (الجمال- العائلة- التعليم- الوظيفة- الأخلاق.. وسؤالهن المتكرر: لماذا؟ لماذا يهابنا "العرسان" لماذا لم نتزوج برغم مزايانا الكثيرة؟.
وتكون الإجابة أننا مجتمع شرقي، والعريس الشرقي يفضلها أقل منه في كل شيء ربما، أو أنه قد يتزوجها وهدفه الأول كسر أنفها، قبل أن يتحقق هاجسه وتشعره في مرة من المرات أنها الأفضل وأنها ذات اليد العليا.
إنهن بنات حواء جميعا، على قدر ألوانهن على قدر معاناتهن وخياراتهن التي لا تنفك تتجدد وتتنوع.. على قدر تحملهن وصبرهن على قدر تخوفهن وخوفهن من المستقبل والعيش وحدهن دون شريك حياة مناسب ومحب.
أما في السينما؛ فقد كان نموذج من تأخر بها الزواج غالبا هذا النموذج الساخر الذي يهدف إلى رسم بسمة أو إخراج ضحكة عالية من قلوب المشاهدين، "العانس" في السينما هي في الأغلب الأعم إما شخصية كوميدية أو شخصية قاسية القلب لم يخرج عن هذين النمطين إلا قليل من الأفلام التي التفتت إلى هذه الشخصية وقدمتها على نحو أكسبها تعاطفًا ومنحها روحًا جديدة.
ومع الأعداد المتزايدة للفتيات ممن تأخرن في الزواج، فهن كثيرات للحد الذي أوصل أعدادهن للملايين، وإلى الحد الذي يوصف به التأخر في الزواج بكونه ظاهرة كاملة الأوصاف في العالم العربي باختلاف دوله المتعددة وإمكانياتها المختلفة.
مع كل هذا كان يجب أن نفكر في إستراتيجية مختلفة للحل والتعامل تتناسب مع قدر المشكلة بعناصرها وتفاصيلها المختلفة.
وقد اعتمد الكتاب على سرد بعض القصص والمشكلات الواقعية حول تأخر الزواج، والتي لا يجد أصحابها إلا طرحها على شبكة الإنترنت، حيث يرد عليهم بعض المتخصصين والخبراء النفسيين والاجتماعيين. وقد استعنا في مادة الكتاب بمجموعة من الحكايات الواقعية وردود الخبراء من خلال الموقع الإليكتروني "أون إسلام".
ساحة النقاش