كتب / هاني كشك
كان ياما كان يا سعد يا إكرام و لا يحلى الكلام إلا بذكر النبي علية الصلاة و السلام .. يحكى أن الواد دقدق صبي المعلم عبده كان يجلس في مخزن أسفل الأرض لا يخرج منه إلا عندما تأتي سيارة محملة بالبضاعة ليحملها على عاتقه و يضعها في المخزن فهو يجلس في المخزن في ظلام دامس في معظم المكان لا يؤنس وحدته احد و كأنه يجب أن يظل اسفل الارض دائمًا فإن رفع هامته و خرج من المخزن إلى نور الله وجد المعلم عبده يكيل له بيديه على جسده و يسمعه من الالفاظ ما تعف الاذن أن تسمعه و تتأفف له الروح فيعود سريعًا الى مكانه .. و لما كان دقدق غير مقتنع بجلوسه وحيدًا في المخزن في انتظار البضاعة التي تجىء مرة واحدة في اليوم على الاكثر فقد كان لزامًا عليه أن يشغل وقته و لكن كيف ينشغل في هذا الظلام و هو بالكاد يرى كف يده ؟ ..
المعلم عبده لا يشعر بأي ذنب تجاه دقدق بل على العكس يشعر أنه صاحب فضل عليه فهو ولد فقير من اسرة يتيمة من الارياف وجده في يوم من الايام يبحث عن عمل فتفضل عليه بهذا العمل بشرط الا يخرج من المخزن و يظل قابعًا فيه لا يرى النور .. يجلس المعلم عبده على باب دكانه و كأنه يراقب دقدق الذي لا يجرء كثيرًا على الخروج من المخزن .
العزلة تبعث على التأمل الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى اكتشاف النفس .. كان متفائًلا لأبعد الحدود .. فرأى أن النور يجب أن يكون في البصيرة فصلى و سجد و ناجى ربه .. و رأى النور في المعرفة فقرأ و تعلم و أكتشف العالم سافر و تحدث الى كل الناس و هو جالس في مكانه .. و رأى النور في الثقة بالنفس فوقف على الارض بقدمين ثابتتين و لكنه كان يرى نفسه على قمة الجبال ذلك هو حلم الواثق.
عندما خرج من المخزن إقترب منه المعلم عبده فلم يرى في عينيه نظرة الخوف فلم يضربه وثبت مكانه ولكن نظره متعلق بدقدق الذي اخذ ينفض عن ملابسه غبار السنين لا يعبأ بنظرات المعلم له ثم خرج من الدكان و لم يستجيب لنداءات المعلم عبده المتكررة بضرورة الرجوع الى المخزن. كان هذا نور الحرية.
توتة توتة فرغت الحدوتة حلوة ولا ملتوتة
الحرية فكرة لا تموت تظل في ذهن الانسان حتى يمتلك ادواتها .. فلا تنكسر و لا تيأس .. الافكار تعيش اما الجلادين فمصيرهم الى فناء .. تخيل مشاعرك و أنت ترى صورة لهتلر او موسليني ثم قارن هذا الشعور و أنت ترى صورة لتشي جيفارا او نيلسون مانديلا بالتأكيد الاحساس مختلف .. دقدق رجل حر و سيظل حر اما المعلم عبده فيفرض على نفسه العزلة لأن مصير كل ظالم يكتبه التاريخ كل يوم.
ساحة النقاش