كتبت :إيمان زهران
المتابع للشأن العام يجد أن المجتمعات المعاصرة تواجه تحديات كثيرة و متنوعة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة .وأصبحت مساهمة المجتمع المدني بمنظماته المتعددة على قدر كبير من الأهمية . فمنظمات المجتمع المدني بما لها من إمكانيات تستطيع حشد و تعبئة الموارد البشرية و المادية إيجابياً في سبيل تقبل المبادرات التنموية و تفعيلها .
بداية ؛ مصطلح المجتمع المدنى له جذور تاريخية ترجع لأرسطو في كتاباته التى كانت تشير فى أغلبها الى الجماعة السياسية ، في حين أن المجتمع المدني في التراث الفكري للقرون الوسطى ينظر اليه بأنه يضم أفرادا يخضعون لنفس القوانين و لنفس الحكومة . و تطور المفهوم في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر و ارتبط بالديمقراطية و بالاجتماع السياسي وأصبح يشير الى مجموعة من المؤسسات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية التي تعمل في ميادينها المختلفة بدرجة من الاستقلال النسبي عن المجتمع السياسي ,وذلك لتحقيق أغراض نقابية كالدفاع عن مصالح اقتصادية لأعضاء النقابة أو أغراض ثقافية تقوم بها الجمعيات الثقافية بهدف نشر الوعي الثقافي و تحريك المياه الراكدة ؛ وأخرى ذات أغراض اجتماعية كالمساهمة في العمل الاجتماعي .
على الرغم من تعدد الإصطلاحات الخاصة بالمجتمع المدنى مجموعة من الأفراد المنظمين إراديا الذين يسعون الى القيام بعمل جماعي ومستمر فى إطار من التعبير عن أفكارهم و مبادئهم و أطروحاتهم و ذلك للمساهمة في تنمية المجتمع .
وفقا لذلك , فإن مؤسسات المجتمع عبارة عن مجموعة من التنظيمات الطوعية الحرة التي تشغل المجال العام ما بين الإنسان والدولة ، و تتشكل وفق إرادة حرة نابعة عن مؤسسيها ، و تكون العضوية فيها اختيارية و تستند في عملها على أطر قانونية تدافع عن مصالح أعضائها إضافة الى كونها غير ربحية .
المجتمع المدني بمنظماته المختلفة يمثلوا ركيزة أساسية لتحقيق التقدم و تفعيل التنمية البشرية . وتتعلق التسمية المدنية لأنها يتخذ طابع مدنيا و سلميا مستقلاً عن الدولة و مؤسساتها الرسمية . و بالتالي فأنه يجسد مظهراً من مظاهر الديمقراطية التي ترتكز على الحرية و العدالة و المساواة و الكرامة و حقوق الإنسان .
المجتمع المدني يمثل نسيجاً متكاملاً ومتشابكاً مابين الأفراد من جانب و الدولة بمؤسساتها من جانب آخر, تقوم على تبادل المصالح و تكاملها و على التعاقد و التفاهم و الاختلاف البناء و الحقوق و الواجبات .
تسعى منظمات المجتمع المدني نحو الإرتكاز إلى آليات التنمية المستدامة من خلال تبني الدول استراتيجيات وطنية لتأهيل و تدريب المنظمات فنياً و مالياً و إدارياً و السعي نحو دمج المرأة في عملية التنمية الشاملة و إشراكها في وضع الخطط و الاستراتيجيات و تنظيم و عقد ورش العمل و الندوات المتعلقة بالتنمية المستدامة .
يعمل المجتمع المدني و منظماته جنبا الى جنب مع المؤسسات الرسمية في تنفيذ بعض السياسات و الخطط التنموية فى إطار من الشراكة ويعمل على تعبئة الموارد المجتمعية لتحقيق أهداف التنمية . والذي بدوره يتطلب تعزيز البناء المؤسسي لمنظمات المجتمع المدني و بناء قدراتها . و يأتي في مقدمتها قيام التحالفات والتشبيك بين منظمات المجتمع المدني وتبادل الخبرات وتدعم العمل التشاركي المؤسسي هذا يدعو الى توفير المجال لمنظمات المجتمع للعمل على جميع المستويات الإنسانية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و الحقوقية والمهنية الفنية .
على المستوى الإجتماعى ؛ تتجلى مساهمات المجتمع المدنى فى دعم حرية التجمع والتعددية والتسامح ما بين مختلف الجماعات فى المجتمع ذات الإهتمامات المتنوعة والمختلفة .إضافة إلأى المساهمة فى دعم الإستقرار المجتمعى وترسيخ سيادة القانون وتنفيذ البرامج المتكاملة فى مجالات الرعاية والتنمية الاجتماعية .
بينما على المستوى الاقتصادى ؛ تسهم منظمات المجتمع المدنى فى مكافحة الطبقية وتنمية مهارات المهمشين والفقراء ؛ إضافة إلى دعم الكفاءة الخدمية الإقتصادية خاصة فى الدول النامية والتى يتراجع فيها دور الحكومة التنموى فى مقابل البيروقراطية التنظيمية . خاصة وأن المشروعات التنموية الخاصة بتلك المؤسسات من شأنها المساهمة فى دعم الإنتاجية المجتمعية وزيادة الدخول وتحسين المستويات .
بالمقابل؛ هناك العديد من المعوقات والتى تضعف من الدور التنموى لتلك المؤسسات المجتمعية والتى فى مقدمتها صعوبة الحصول على تمويلات تسمح بإقامة مشروعات تنموية للدولة ؛إضافة إلى الإفتقار الى برامج عمل ورؤى واضحة محددة ضمن جدول زمنى يعكس النشاط والأهداف وكيفية تحقيقها .
كذلك ؛ العديد من مؤسسات تنتمى لأحزاب او هيئات او حركات قد تُحد من استقلاليتها إداريا وماليا وتنظيميا مما قد يشكل عائقا نحو الدور التنموى المنوط به للمؤسسة . دون إغفال أن معظم القوانين والتشريعات المتعلقة بعمل المنظمات المدنية غير واضحة ويسودها العديد من الغموض ولا تعكس تفهم أهمية تلك المؤسسات كشريك رئيسى فى محور التنمية .
على الرغم من أن المجتمع المدنى لازال دورة محدودا فى عملية التنمية وتطوراتها ويحدة العديد من المعوقات والتحديات فى البلدان العربية ؛ إلا أن هناك العديد من الأطروحات الساعية نحو إعادة التحديث والإصلاح منها ما يتعلق بتحديث المنظومة المدنية ذاتها ؛ ومنها ما يتعلق بتحديث وإصلاح المنظومة الحكومية وفقا لإدخال إصلاحات قانونية وتشريعية من شأنها منح القطاع المدنى مزيد من الإستقلالية والدعم والتعامل مع تلك المؤسسات المدنية كقطاع ثالث يشارك فى عملية التنمية المستدامة جنبا إلأى جنب مع القطاع الحكومى والقطاع الخاص ....
ساحة النقاش