كتب :هاني كشك

     <!--[endif]-->ولكن الزمان ستيغير والمكان سيتبدل وتنساني .

   <!--[endif]-->وكيف يتغير الزمان ولنا في كل يوم ذكرى فأصبحت كل الايام اعياد نحتفل بها . كيف يتغير الزمان وهو يحمل بين ايامه ماض جميل وحاضر منعش ومستقبل سعيد . كل الايام اصبحت اعياد يا حبيبتي .

 وكيف يتبدل المكان وقد اصبحت الشوارع شاهدة على حبنا وتتغنى به وتعلمه لكل المحبين . كل مكان لنا فيه موقف بل ان حبي لك علمنى كيف اكتب الشعر فأصبحت اكتبه في كل مكان نذهب اليه .

ثم تقولين سأنساكِ؟ ... لو أن الزمان تغير والمكان تبدل فسأظل احتفظ بحبي لك في كياني. ثم كيف انساكِ ولما انساكِ ؟

      <!--[endif]-->ستجىء اخرى تردد لها نفس الكلام وتنساني

      <!--[endif]-->وكيف بأخرى ان تجىء وتحل محلك في قلبي وانت كل النساء . وكيف اردد نفس الكلام وقد قلته كله لك فلم يعد كلامي له معنى الا وانا اردد اسمك فيه .

فنظرت إليه وقالت بصوت دافىء

       <!--[endif]-->هل أنت متأكد انك لن تنساني ؟

      <!--[endif]-->استحلفك بالله لاتردديها فكلما سمعتها شعرت اني مقصر في حبك .

سافر عمران مع والده وترك وعدًا تشهد عليه زهور الربيع بعودتة .

سأعود وسنلتقي وسأذهب لوالدك أطلب يدك منه .. سأقول له إنني أحبها قبل أن اراها .. أحبها قبل أن أجىء إلى الدنيا .. كنت أعلم أن القدر سيكافأني ويهديني إياها. هل سيتعجب والدك من كلامي؟ سأعود وأحمل معي خاتم أضعه فى يدك .. مكتوب عليه إسمي .

بالرغم من إبتسامتها لأنها تسمع هذا الكلام فسيجيء عمران ويتقدم لخطبتها وتتوج قصة حبهما بالنهاية المنتظرة والطبيعية إلا أن هناك شيئًا في أعماقها يجعل الابتسامة غير مكتملة.

والدته تطمئن إلى تجربة السفر فأخيرًا سافر عمران وإبتعد عن أمل وسيتعلم أن الدنيا ليست الحب فقط ولكن هناك أشياء كثيرة يجب أن تكون موجودة لتكتمل الحياة. سيشاهد عالمًا جديدًا ويتعلم ويتعلم ثم يقتنع أن خطوة الارتباط يجب أن تؤجل أو أن الاختيار يجب أن يكون مناسب .

عمران سعيد جدًا بهذة التجربة الجديدة فهذة أول مرة يجلس وجهًا لوجه مع رجال أعمال ويحضر إجتماعات وأحيانًا يتخذ قرارات بالمشاركة مع والده ولكنه في الحقيقة لم تشغله حسناوات الغرب عن حبيبة القلب فهو ينتظر لحظة العودة بفارغ الصبر ليتقدم لخطبتها. تحين عمران الفرصة وصارح والده بما يفكر فيه ولم يعارضه الوالد بل كان أهم شىء عنده هو أن يتعرف على هذة الفتاة وأتاح عمران هذة الفرصة لوالده في إحدى المكالمات التليفونية فتحدث إلى أمل وتولد لديه إحساس بأنها إنسانة محترمة.

حينما تبتسم الدنيا وتقدم لك ماتريده بكرم زائد عن الحد في إحدى صفحاتها فكن متأكدًا تمامًا أن الصفحة التالية ستحمل بين سطورها شيئًا لم تكن تتوقعه أو إن أردت أن تقول فهي دورة الحياة الطبيعية من سعادة إلى حزن ثم فرح يليه حزن هكذا تستمر الحياة. لعل هذا كان شعور أمل في هذا اللقاء هل كانت تفهم الحياة أكثر من عمران ؟.

التلفاز هو الشىء المسلي الوحيد في حياة والدة عمران ففي الصباح تذهب إلى النادى لتمارس رياضة المشي ثم تعود فتتناول الافطار أمام التلفاز تنتظر مكالمة عمران . الحياة مملة بدونه فلم تتعود أن تتناول طعامها إلا معه فيتبادلا الحديث معًا والقفشات ثم يذهب إلى الجامعة. هذا السفر قد طال ولكنها هانت فبعد يومين يحضر إليها ويحكي لها ما حدث في هذة الرحلة.

جاء صوت الهاتف من الغرفة المجاورة ... هذا عمران ... ولكن الهاتف يرتجف ... ودقات قلبها سريعة ... الجدران تضيق عليها ثم تذهب عنها فترى الغرفة ضيقة جدًا ثم تراها كبيرة فتزيد المسافة بينها وبين الهاتف فتشعر برجفته أكثر ... الخطوات تبدو ثقيلة أو متباطئة .. أين ظلي الذي أراه يتابعني كل يوم وأنا أجري إلى الهاتف لأسمع صوت عمران؟ تمتد يدها لتمسك بسماعة الهاتف وصوت شهيقها وزفيرها يعلو ويرتفع ... نظرات عينيها تجول في المكان مضطربة غير ثابتة ... أخيرًا رفعت سماعة الهاتف ليجيء صوت زوجها ويخبرها أن عمران في المستشفى وأنها يجب أن تلحق بهما هي وأمل لأن الاطباء أخبروه أنه قد يفارق الحياة في أي وقت. لم تجيب وكأن الكلمات توقفت في فمها ... تسمع فقط ... الدموع تنهار في صمت ... ستأخذ الدنيا تلك الابتسامة التي إنتظرتها طويلاً .. سيتوارى عنها كل شىء جميل ... تبكي فالبكاء سيرافقها وكانت قد نسيته منذ أن سمعت أول مرة يبكي فيها عمران بعد ولادته ... من سيملء حضنها ويقبل جبينها كل يوم ؟ من ستطل عليه في كل ليلة لتغطية من برد الشتاء ؟ من ؟

هل كانت أمل تتوقع أن شيئا ما سيحدث ؟ هل كانت المفاجأة هي سر الصمت الذي لازمها وهي تجلس بجوار والدة عمران أثناء رحلة السفر. كلاهما لم يتقابلا ولم يتكلما قبل ذلك . عندما جاءها هاتف من والدة عمران لتخبرها شعرت وكأن جسدها ينتفض .. أمل تبكي وهي تسمع الكلام و والدة عمران تبكي وهي تخبرها والدموع انهارًا من العيون وكأنها سيول لاتنتهي أو نهر لايجف. كانت والدة عمران تطلب من أمل الهدوء مراعاة لأحوالها الصحية.

  <!--[endif]-->الهدوء يا أمل الهدوء حافظي على صحتك . عمران كان يحدثني عنك وعن حبه لك كان ينوي أن يتقدم لخطبتك عندما يعود .. كنا ننتظر عودته و الان هو الذي ينتظرنا .. غدًا نسافر في أول رحلة إلى فرنسا ..

 

كانت صادقة فى كلامها .. هل ندم على انها كانت سببًا في سفر عمران و ابتعاده عنها؟. أم هو ندم عن إحساس بالظلم تجاه أمل ؟ أحيانًا لايشعر الانسان بالندم إلا في الجولة الاخيرة عندما تبدو النهاية قريبة فيشعر في هذة اللحظة بما كان يفعله ويتمنى لو أن الايام تعود فيصحح أفعاله . هذا الشعور بمثابة الفقرة الاخيرة و الطبيعية في قصة مراجعة النفس .. لن تعود الايام و لو عادت لكررنا ما فعلناه هذة طبيعة الانسان ... النسيان.

على أحد الاسرة في مستشفى في العاصمة باريس كان عمران يرقد في غيبوبة لم يفيق منها إلا عندما دخلت والدته مع أمل .. جرت والدته نحوه تقبله وتضمه إلى صدرها . كثيرًا ما كانت تحتضن عمران قبل النوم عندما كان صغيرًا وتغني له وتقص له الحواديت حتى يغيب في النوم فتنسحب في هدوء .. عندما ينجح في الدراسة لم يجد إلا هذا الحضن الدافىء ليرتاح فيه .. كانت جميع الاحضان في كفة و هذا الحضن في كفة أخرى فهو الاخير .. لا تريد أن تتركه .

أِشار عمران إلى أمل أن تجلس على مقعد بجوار فراشه ومد يده إليها فتشابكت الاصابع كما كانت تتشابك في الجامعة وحديث العيون أبلغ من أى حديث وكأنه يذكرها بعهده الذي عاهدها قبل السفر بأنه لن ينساها ابدًا . مد يده بورقة صغيرة مكتوب عليها بخط رقيق جملة واحدة :

<!--حبيبتى أهديك قلبى بعد أن أموت حتى أظل أحيا بداخلك.

فقط هذا ما كتبه إنه يريد أن يتبرع بقلبه لأمل بعد أن يموت فهو يعلم أنها مريضة بالقلب ويريدها أن تعيش بعافية .. بكت أمل ووقفت وجلست ووقفت وجلست ..

  <!--[endif]-->إلى أين أذهب ؟ هل تنشق الارض و تبلعني الان فأغيب في أعماقها ؟ تهديني قلبك بعد أن .... لا أستطيع أن أنطقها . تذهب وتترك قلبك داخلي فيكون عمران لحياتي. هل تظن أنني سأعيش بعدك ؟ وكيف تكون الحياة ؟

جفت دموع والدته فجأة .. توقفت الدموع و إلتزمت صمت حائر وإكتفت بالنظرات إلى أمل و عمران .. لم تنطق بحرف واحد وكأنها تستعيد الذكريات كيف كانت ترفض أمل وكيف كانت تتحدث عنها ولاتريدها لعمران . اليوم هي لاتريد أن تعارضه في اخر طلب له .. ربما يموت الان .

وأثناء كل هذا توقفت الاجهزة الطبية معلنة عن النهاية التي يعلمها الجميع .. إنطلق الاطباء إلى الغرفة بعد أن خرج الجميع منها .. مجموعة من الصدمات الكهربائية دون فائدة .

داخل غرفة العمليات نقل الاطباء قلب عمران إلى أمل بناءًا على وصيته وبعد انتهاء العملية وعندما غابت اثار المخدر وفاقت أمل وجدت والدة عمران بجوارها تنظر اليها وتردد

<!--حمد الله على السلامة يا أمل.

<!--سلمك الله .

<!--أين عمران ؟

<!--سافر مع والده إلى مصر ليدفن هناك .

<!--لماذا لم تسافر معهم ؟

<!--كيف أسافر و أتركك وحيدة ثم أن قلب عمران ينبض بداخلك .

إمتدت يد والدة عمران إلى سماعة الطبيب ووضعتها فى أذنيها و وضعت الطرف الاخر على صدر أمل هي الان تسمع نبضات قلبه تمامًا كما كانت تسمعه لأول مرة في السونار قبل الولادة .. كان الطبيب الذي يتابعها أثناء فترة الحمل يعلم جيدًا ماذا يفعل هذا الصوت في قلب الام فرفع صوت القلب حتى أصبح مدويًا كالصدى فسجله لها ولازالت تحتفظ بهذا التسجيل فهو ما تبقى من عمران الان.

وضعت سماعة الطبيب جانبًا ونظرت إلى أمل وطبعت قبلة على جبينها وضمتها إلى صدرها وإبتسمت إبتسامة الامومة الصادقة وكأنها راضية عن أمل و كأنها تعتذر عن أفكار قديمة كانت تفكر بها .

<!--عمران لم يمت . كان يناديني يا والدتي فهل تناديني كما كان يناديني .

<!--يا والدتي . لن أناديك إلا بها.

الذي قال أن الاعمار تنتهي بشهيق يملء صدورنا ولايخرج .. لم يقابل عمران طول حياته.

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 868 مشاهدة
نشرت فى 30 يناير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,120,390

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟