كتبت :رضوى عزمي
للأبد ... على بعد خطوة .. خطوة تفصلنى عن الخلود .. خطوة تجعلنى أبديةٌ .. خطوة تجعل الموت لا يُرهبنى .. بل لا يعنينى أصلاً ! ,لماذا توقفت الآن ؟! ماذا دهانى ؟ّ! ماذا أتمنى أكثر من هذا ؟! البقاء للأبد .. بلا موت و لا مرض و لا شيخوخة , بل بلا سوء يحل بقريب أو حبيب , اكسير الحياة هذا يكفى جميع من أحب , لنبقى معاً إلى الأبد ,, هذه كانت أمنيتى دائماً ! صحيحٌ كنت أثق أنها خيالاً لا أكثر .. لكن منذ متى كانت الأمنيات لا خيالية ؟! .. أمَّا اليوم و قد استحال حلمى حقيقة .. أمَّا اليوم و أنا بينى وو بين الخلود بُعد خطوة .. أرانى أعيد التفكير فى أمنيتى تلك !
ترى لما ؟ ماذا حدث لى ؟! لنراجع خارطة حياتى مؤخراً .. أو لنراجع خارطة حياتى كلها .. لا بأس فأنا كل سَيري فى الحياة مسافة عشرين عاماً .. يسهل وصفهم دون استطراد فلا تقلق , عندما كنت صغيرة كنت سعيدة , بالطبع كانت هناك مشاكل , لكن لم يكن عندى من الوعي ما يجعلنى أفكر فيها , الأمر الذى جعلها تمر بسلام تام , كنت حينها أكره الموت و سيرته , كنت أتمنى الخلود للأبد , لم أكن أتخيل كيف ينتحر أشخاص و يتركون الحياة "الجميلة" تلك ؟! لدي أبي و أمي و أخوتي , لدي أصدقائي ,,, ثم إنى أحب نفسي كثيراً !
كيف اتمنى أن أرحل عن كل هذا ؟! حين أخبرت أمى عن رغبتي فى الخلود أخبرتني أن سنة الرب هى الموت و الفناء , حدثت أخت صديقتي الملحدة عن رغبتي تلك , اخبرتني عن اكسير الحياة و أنها تؤمن بالعلم لا بالرب , و أن العلم استطاع التغلب حتى على الموت , حينها ذهبت أصلي و أدعي الرب أن يمنحني اكسير الحياة هذا لأخلد كما أراد العلم و لا أموت كما أراد هو !!
بحلول عامي السادس عشر اختلف الوضع , اتخذ مساراً تدريجياً نحو حافة المرض النفسي , قضيت عاميّ السابع عشر و الثامن عشر مريضة بشبه اكتئاب _لم يكن اكتئاباً تاماً لأنى لم أزر طبيباً ليمنحنى موافقته على كوني مريضة !_ برغم كثرة الأطباء النفسيين فى لندن إلا أننى لم أذهب لواحد قط , كنت طبيبةُ نفسى و مريضتها , الأمر الذي نقل تشخيص المرض كاكتئاب إلى انفصام _ بالمعنى الحرفي لا الطبي_ تطور إلى اثنين و ثلاثة حتى أصبح بداخلى "عدة" أشخاص , لحسن الحظ تعايشنا معاً فى سلام ,عشت بانفصامى هذا حتى اللحظة هذه .....
ظننت أني طبت من مرضي النفسي ذلك _أياً ما كان تشخيصه_ , و الحقيقة أني بالفعل لم أعد أشعر بألم , لكن دعني أقول أنى ربما فى اللحظة الحالية أدركت أن الوضع كان مجرد (اعتياد ألم ) , فكِّر معي .. عامان و نصف مرض نفسي بلا أدنى صنوف العلاج ! بربك من سيظل يألَم كل تلك الفترة ؟! , حتى الألم لم يعد له رهبة , أصبح ككل شئ , كالفرحة و الحماسة و الحزن و الاحباط .. لا فارق , كل شعور ينتابنى أعشه و أنا أعلم يقيناً أنه لن يدوم ,, ربــــــــــــاه , أهذا وقت الفلسفة ؟!
كل شئ أصبح رمادياً منذ ذلك الحين , كنت مستمتعة , دعني أقر بذلك , مرضي ذاك جعلنى أعمق , الأمر الذي أعجب الناس و أعجبني بطبيعة الحال , و أوجعني بقدر ما أعجبني .. لكن لا بأس , الوجع جزء من التجربة , حققت نجاحات لم أكن اتخيلها , و أخذت حياتي منعطفاً لم يخطر ببالي يوماً , لكن لا بأس , المفاجأة جزء من التجربة , فقدت أناساً كثيرون كنت أحبهم , لم يموتوا واقعياً , فقط ماتوا معنوياً بالنسبة لي .. لكن لا بأس , الموت علينا حق !
أنا الآن هنا كما كنت أدعو منذ سنين .. أمام اكسير الحياة الذى لم أعد أبحث عنه , لكن تلك سنة الحياة , ما تنساه يذكرك و ما يذكرك تنساه , رشفة واحدة و أبقى للأبد , استمتع بنجاحاتى اللانهائية , أكتب و أتفلسف و يصفق الناس و يزداد متابعي على صفحات التواصل , و تستمر حياتى السعيدة للأبد ..
حسناً سأشرب , رشفة واحدة كبداية , لا أعلم ما طعم هذا الشئ , لكن لا بأس , لن يكون أكثر مرارة من الموت ! ما بي ؟! لم أرتعش هكذا ؟َ ألا أريد الخلود ؟! أنا و أهلي و أصدقائي و .... , حسناً يا نفسي العزيزة , أتكرهينهم؟! لا تريدين الخلود معهم ؟! هم حقاً مزعجون , لا أريد لهم الموت , لكني لا أريد الخلود معهم أيضاً .. حسناً , اشربي أنتِ فقط و دعيهم هم يموتوا , هيا اشربي ..
آلآن فقط انتبهت أن حياتي ليست سعيدة ؟!, أأدركت لتوي أني لا أريد الخلود ؟!, أن مرضي ذاك مزمن , أنني لن أطيب يوماً , ماضيّ ذاك سيظل يطاردني فى مستقبلي , مستقبلي الذي إن شربت من هذا الشئ سيكون مدته الأبد ! حتى إن استطعت الحفاظ على نجاحى هذا , و إن ظللت مع من أحب , لن أكون سعيدة , مشكلتي ليست مَن حولي , لن تصبح حياتي أفضل بدونهم , بل بدوني . كان علي أن أفكر في دعوتي تلك _أهي مجدية أصلاً ؟! _ , المُهم , كان على أن أدعو لأجد اكسيراً يُبقي الحياة سعيدة لا دائمة ! , اكسيري هذا الذي بين يدي يجعلني أبدية ,وأنا علي أن أشكل هذه الفترة _إن جازت التسمية_ , و أنا لا استطيع أن أجعلنى سعيدة , أنا فقط أقضي وقتي محاولة تسلية نفسي في انتظار قدري , أكتب و أفكر و أضحك و أحب .. تمضيةً للوقت , لن أطيق الانتظار أطول !
لو كان ذاك الاكسير سُماً لشربته في الحال لأنهي تلك الحياة , لكني لن أفعل , لن أجهر بانهزامي , سأتظاهر أني بخير حتى أُصدِّق و يُصدِّقون , أو لا يُصدقَّون .. لم أعد أهتم و لم يكونوا أبداً مهتمين , سأظهر قوية لأن الانهزام يتم على مرحلتين , مرحلة الضربة القاضية و قد كانت من نصيب الحياة , و مرحلة انهيار الخصم , و هذه ستكون من نصيبي ! لن أنهار , مع أن الوجع يكتنفنى من كل جانب , منذ أربعة أعوام , لكني سأصمد , سأفعل و لكن ليس للأبد ,, لذا فليذهب ذلك الاكسير إلى الجحيم , سأكسر الإناء أصلاً حتى لا يُقدم أحمق على الشرب منه ,, لن أخلُد !
ساحة النقاش