كتبت_ إيمان زهران
"لقد مات الاله ونحن الذين قتلناه" ؛ تلك الجملة تُعد من أشهر إقتباسات نيتشة و تستخدم على نطاق واسع من قبل البعض لمحاولة ضم نيتشه إلى معسكر الإلحاد الصريح . لكن من وجهه نظرى ؛ نيتشه لجأ إلى ذلك العبير محاولا نقد أسلوب الحياة الحداثى و فقدان الغاية من القيم الأخلاقية مما بعث جدلا نحو العدمية، وهذا ما دفع نيتشه إلى البحث عن أسس أعمق للأخلاق حتى وصل إلى مبدأ "إرادة القوة" .
لعل فكرتنا حول الإلحاد المعاصر أجدها من قرائتى لفكر " هيدجر " نحو إشكالية " العالم المتسامى " وربطها بفكر نيتشة حول " موت الاله " وإسقاطها على الواقع السياسى والإقتصادى والإجتماعى لما يمر به مجتمعنا من إضطرابات مختلفة تنال الجميع بتعددية إتجاهاتهم حول تشعب المركزية وإنزوائها .
العالم المتسامى يعنى العالم المتجاوز لعالمنا ؛ أى عالم الحواس ؛وعند تشبيك الأفكار ننتهى من أن الإله المقصود هو خليط نقى من الأفكار والمثاليات والقيم الأخلاقية.
بينما الإلحاد وهو الشق الثانى فى حديثنا ويعبر فى مجملة عن موقف شخصي قد يتحول إلى جماعي, وهو قضية ذاتية للملحد رافضة للمقدس وملحقاته ( الله، أديان،الأفكار؛ العادات ) قد تبنى على العلم والعقل وتفعيل المنهج النقدي أو على العاطفة والتجارب الشخصية السيئة وربما كردة فعل متمردة على إحساس الملحد بتقييد حريته
بالعودة لشبكة المفاهيم والتشبيك الفكرى ما بين نيتشة ونظريتة حول موت الإله وتحليلنا الخاص حول ربط الإله بالمنظومة الاخلاقية والثقافية ؛ والتشبيك مع فكر هيدجر حول إشكالية العالم المتسامى وموضوع الإلحاد .. نجد أن الإلحاد فى حد ذاتة إفتقار للثقافة والخروج نحو العدمية والتى تمثل فى حد ذاتها المحور الجدلى من قديم الأزل وحتى الأن بتطور أفكارها وموضوعاتها.
فكرة العدم النيتشية نابعة من فكرة إختلال المركزية وعدم وضوح الغاية وتذبذت العقل البشرى نحو اللامطلق فى عالم تحكمة الهمجية الممنهجة للمصلحة الخاصة بدعوى أنها " فوضى خلاقة".
فعند حديثنا عن موت الإله نرسخ بحروفنا فكرة موت الإنسانية وثبات عوامل الصراعات على إختلافها السياسية والعسكرية والإقتصادية والتحولات الإجتماعية والثورات الثقافية والعلاقات المتشكابكة والمتباينة ما بين الافراد وما يناظرها من مرادفات لقيم الحق والخير والجمال والكمال.
بالمقابل، تصورنا عن الإلحاد المعاصر ينبع من بُغض البعض للأفكار وديماجوجيتها ؛ وتأويل البعض للفكرة وإزدواجية تفسيره للمضمون . لا أقصد بالإلحاد المعاصر كره الدين فى حد ذاتة وإنكار وجود الله ؛ ولكن ما أقصدة هو النقد والتعارض مع الأفكار ومدلولاتها وتأويلها .
لا يوجد جدال من منظورى الشخصى حلو طبيعة الأديان على اختلافها وتلك المعبر عنها بنصوص سماوية ؛ ولكن ما أعنية بالالحاد المعاصر هو إسناد الرؤى لجدليات الفكر الدينى وطبيعة تأويل مقاصدة فى إطار من الكينونة الإجتماعية .
أكاد أجزم أن الموضوع عميق وفلسفى جدلى ؛ قد يتفق معى البعض وقد يختلف وقد يذهب أخرون بفكرهم حول فكر نيتشة وإعادة تفسيرهم الخاص لعبارتة الشهيرة "موت الاله " وإعمالا للعقل وربطة بالسياق الإجتماعى والسياسى والأخلاقى وما يتزامن معة من ظواهر كينونية إجتماعية مختلفة فى مقدمتها الإلحاد .
لكن فى رؤيتى للإلحاد من المطابقات أجد أنة لا يخرج عن الثوابت المطلقة لمرحلة العدمية الهزلية . ولكن صفة " المعاصرة " نابعة من متوالية الأحداث المختلفة والتى رسخت لمفهوم ضمنى واحد يستند إلى فقدان الثقة فى الفكر خاصة الدينى بناءا على الخطاب ذو الصبغة الدينية العنيفة ممن يزعمون أنهم أهل الدين وحافظين الكتب المقدسة ومفسريها تجاه العالم والحياه والآخر ؛ ومن ثم لا يوجد أى توبيخ لمن يتخذ الطريق نحو التنصل من رأى هؤلاء والإعتزاز بمكانة الرب وإعمال العقل فى فهم ما تيسر إستنادا إلى قواعد الإنسانية دون الخروج عن دائرة المطلق نحو العدم.
انا لا ادعوا للالحاد ؛ رغم يقينى بأن الكثيرين قد فقد الثقة فى أهل الدين على اختلاف مذاهبهم ؛ لكن أدعوا لإستقامة العقل ؛ ادعو لإعادة الروح للأله .
الإله فى كل شئ ؛ الإله فى جدليات الواقع وثوابت الروح ؛ الإله فى الفكرة والحدث ؛ الإله فى القلب والعقل ؛ الإلة واحد وان تعددت اسماءه ؛الاله فى اخلاقنا وضمائرنا ؛ الاله فى نفوس بشرية أرهقها الزيف والخداع وضجرت من تشدد مشايخ وقساوسة ومن الجدال حول من له الغفران ومن المبجل من السماء .
الالحاد المعاصر هو رد الفعل حول قتلنا الإله ؛ وإعادة الإحياء قد تتم بإستعادة إنسانيتنا ونقاء أرواحنا والبحث عن الحقيقية والتيقن من اليقين وإعمال العقل والضمير؛ فبالسلام والمحبة يحيا الاله.
ساحة النقاش