بقلم :رضوي عزمى
لا تسألني ماذا أرى , لا أرى شيئاً , و إذا رأيت لا أبصر , فقط أحدق في اللاشئ , مشهد نهاية لم أتخيل مثله يوماً , لا يليق بتلك الحياة الخالية من كل أشكال اللامألوف , أو رُبما هو رمز لها , رُبما هو المشهد الملخِص و المخلِّص لها , فحولي كل ما هو ممتع , لكني لم أره يوماً , و إذا رأيته لا أبصره , أحدق دائماً في اللاشئ ! ألآن انتبهت ؟! صدقني .. فلسفة لحظات النزع هى موجز فلسفات العمر كله ..
يغمرني الموت من كل مكان .. الضغط يتزايد حتى يكاد يمزقنى , جسدي تجمد من البرودة , و انتفخ من الأملاح !
خطر لي التراجع , خطرت لي المقاومة , لكني تذكرتُ .. تذكرتُ فقررتُ أن أموت !
لست مستسلم , كُف عن اعتقادك التافه هذا إذا سمحت , أيها المُرفهه .. أنت لا تدرك معاناتي , رُبما لو كنت مكاني لما صبرت كل هذا أصلاً , ثم إنني لم أقرر الانتحار , القدر رتب كل هذا , أنا كنت على قارب الصيد خاصتي عندما غرق و غرقتُ معه , و قررتُ فقط أن استسلم و لا أقاوم , أيعد هذا انتحاراً ؟!
الواقع أني حتى استسلمت بعد مقاومة أُنهكت فيها تماماً دون فائدة , فقررت الاستسلام , و أقنعتُ نفسي أنه لا جدوى من المقاومة , و أن ليس على هذه الأرض ما يستحق الحياة أصلاً .. يا إلهي , للمرة الثانية يقدم مشهد النهاية مُلخصاً لمشوار عمري كله !
يغمرني الموت من كل مكان .. الضغط يتزايد حتى يكاد يمزقنى , جسدي تجمد من البرودة , و انتفخ من الأملاح !
تراني ضعيفاً ؟ أم كئيباً ؟ رُبما مبالغاً و درامياً .. رني كما تريد , فأنا أراك أحمق أيضاً , لا أدرك حتى لم أفكر في انطباعك اللعين عني الآن ؟! أنا _ في هذه اللحظة بالذات_ أوقن أني لست كذلك , الحق أني كنت أقول ما تقول أنت عني , لكن الآن .. الآن فقط أدركت أني لست كذلك , أطمئن .. لن أقول لك تلك البلاهة عن "شجاعة الانتحار" _أخبرتك سابقاً أني لم انتحر ! _ ,.. بل لأني صبرت حتى جاء أجلي , حتى حينما جاء قاومته .. قاومته لأسباب أجهلها حتى الآن ! لكن المقاومة لم تُجدي .. لم تكن أبداً مجدية !
أتعلم صديقي التافه ماذا أحال حياتي جحيماً ؟! .. " أنا اللى بالأمر المحال أغتوى " , حياتك أنت فارغة من المعنى إلى الحد الذي يجعلك تراها جميلة و مشرقة و هذا الهراء ! ستدَّعي أنك مُصاب و تُعاني لكنك صابراً و لست مثلي ؟! .. لو كنت مصاباً لأدركت معنى الوجع ! لرأيت الاحباط و اليأس و تلك المشاعر "السلبية" حقٌ , لاحتويتني بدلاً من أن تنظر إلي من أعلى لأسفل , ثم تنظر لنفسك بزهو !
للمرة الثالثة .. مشهد النهاية يقدم لي الإجابات القاطعة للأسئلة المائعة , ألأنني أسلمت ورقة إجابتي صار من حقي الاطلاع على الإجابات الصحيحة ؟! رُبما .. ضحكت لهذا الخاطر , ضحكت ثم بكيت !
لِم لَم أقدر يوماً ألمي ؟! لِم نظرت لهؤلاء " الأقوياء الصابرين" بعين الغبطة ؟! أنا أقوى منهم , أنا أعلم عن اليأس و الإحباط و الألم , أعلمهم و أعلم كيف أقدِّرهم , أعلمهم و أعلم كيف أحيلهم أملاً و نجاحاً .. أمَّا هم , فكل ما يعرفونه ثرثرتهم تلك عن الصبر و التفاؤل .. و هذا الهراء , هؤلاء يكفرون بالألم , بينما أنا أقدِّره ! هؤلاء لم يذوقوا اليأس , بينما أنا تجرعت مرارته , ثم جعلته أملاً سائغاً شرابه , أنا خلقت الأمل من ظهر الألم ! هم ليسوا أقوياء.. أنا القوي !
يغمرني الموت من كل مكان .. الضغط يتزايد حتى يكاد يمزقنى , جسدي تجمد من البرودة , و انتفخ من الأملاح !
أردد الشهادة بسعادة بالغة , أغمض عيني و استسلم .... تمر مركب صيد , ترفعني إلى أعلى ..
فعلها مشهد النهاية للمرة الرابعة ..
نجوت ..
أنجاني هو ..
هو القوي !
ساحة النقاش