كتبت_ نيرة مصباح
اسمي مني ابراهيم ابراهيم عمران، 23 سنة، قاهرية، مسلمة (غير محجبة)، عذراء.
قصتي مع التحرش بدأت منذ الطفولة..مشاهد مشوشة تكمن في ذاكرتي لرجال يعبثون بجسدي الطفل. أتذكر مثلا تحرش زوج عمتي بي و انا صغيرة، أتذكر كيف نظرت له و هو يتحسس ثديين صغيرين لم يتفتحا بعد، في البدء تصورت أنه يلعب معي كما يلعب معي أبي أو أمي، لكن سرعان ما لاحظت تعبيرات وجهه و أصوات التلذذ التي كانت تصدر عنه فأدركت انه لا يمازحني و انما يفعل بي شيئا اخرا، عرفت حين كبرت أن هذا الشيء يدعي "تحرش". لم أخبر أحدا بهذا الأمر، بقي سرا بيني و بين الثديين.
أتذكر أيضا تحرش ممرض المدرسة الابتدائية بي..كل ما حدث أنني شعرت بألم حاد في معدتي فقالت لي المعلمة أنا أتوجه للممرض ليفحصني، دخلت عليه العيادة المدرسية فوجدته يجلس وحده يطالع الصحف و يشرب الشاي، أخبرته بأن معدتي تؤلمني، وضعت يدي علي معدتي لأبين له مدي الألم. كل ما كنت أطمح إليه أن يخبرني بأني مريضة جدا و أن أهاتف والدي ليأتي و يأخذني مبكرا. أما هو فكان يطمح في شيء آخر..
ابتسم و قال "تعلي، تعالي خايفة ليه؟"، اقتربت منه، وضع أصابعه علي جسدي، "أين الألم؟ هنا؟ أم هنا؟ أم هنا؟" كل يقول ذلك و هو يحرك أصابعه من مكان لآخر..نزل باصابعه حتي وصل إلي عانتي، ضغط علي بقوة.."أأم هنا؟".
لم أكن أنا في سن صغير جدا كما كان الحال مع زوج عمتي، أدركت ما كان يفعله الممرض بي فدفعته بقوة و ركضت خارجة من العيادة ثم إلي الفصل، لكنني -مرة أخري- لم أخبر أحدا بهذا الامر. ظل سرا بيني و بين العانة.
ربما تحرش بي آخرون في طفولتي، لا أتذكر حقا، و لا أهتم، . ما تحمله ذاكرتي من ذكرياتتحرش بجسدي كطفلة هي ذكريات -كما قلت-مشوشة، لا أستحضرها كثيرا، و إن استحضرتها لا تزعجني كثيرا اذا ما قورنت بالأذي الذي ألحقه -و لا زال يلحقه- بشخصي التحرش بي كشابة و امراة.
يكثر الحديث عن التحرش في مصر الآن، فهذا يقول و هذا يضيف و هذه تعترض. لا أفهم كثيرا في كلام "السياسة" و لا التفسيرات الفلسفية و النفسية و الاجتماعية إلخ.. كل ما أفهمه ان ما يسمونه هم "تحرش" أصبح بالنسبة لي "أسلوب حياة"، أن انتهاك جسدي أصبح أمرا روتينا لا يخلو منه يومي و عبئا أحمله معي أينما ذهبت.
أعرض عليكم الآن مشاهد ..صفحات متفرقة من هذا الكتاب الضخم الذي يضم تجاربي كشابة مصرية مع التحرش، ذلك الكتاب الذي تتكاثر صفحاته و تتضاعف و الذي أبقي أحمله في عقلي، لا افارقه ولا يفارقني.
مشهد 1:
كنت أسير في الشارع متجهة إلي مطعم للوجبات السريعة حيث من المقرر أن ألتقي و زميلاتي، رجل ثلاثيني بملابس رثة يضع كفيه علي بنطاله من الامام، من بنطاله يتدلي شيء داكن اللون، يمسك به الرجل و يحركه. للحظة لم أفهم ما هذا، لم أكن قد رأيت قضيب رجل بالغ من قبل (فقط أقاربنا الذكور الرضع)..هالني المنظر، أسرعت من خطواتي و ابتعدت عن الرجل قدر الامكان، كان الشارع ممتلئ بالمارة و مع هذا لم يخش الرجل أحدا! أسرعت إلي المطعم، قابلت زميلاتي، بعد حوالي نصف ساعة وجدتني أبكي، أبكي فجأة دون سبب، كأنني كنت في صدمة عصبية فلم أبك إلا حين أفقت منها.
مشهد 2:
كنت اسير في الشارع نهار أحد الأيام، امامي تسير فتاة محجبة، ممتلئة الجسد يتبعها رجل مخيف المنظر، شعرت بالشفقة تجاه تلك الفتاة لكن في الوقت ذاته شعرت بالامتنان أن الرجل يسير وراءها هي لا وراءي أنا. اقترب منها الرجل و اصطدم بها من الخلف، التفتت الفتاة له و قالت في عصبية شديدة و صوت مرتعش "ابعد عني..ابعد عني". ابتعد الرجل عنها "انا جيت جمبك! طب بس امسحي بنطلوتك" ثم سار مبتعدا و هو يتمتم "ط*** تجنن".
لاحظت أنا سائلا أبيضا لزجا علي خلفية الفتاة، تماما في نتصف المؤخرة..لم أكن قد رأيت سائلا منويا من قبل. أخرجت كل ما في حقيبتني من مناديل و أخذت أساعدها في تنظيف ملابسها. لا أتذكر أنني شعرت بتقزز مماثل في حياتي. سلمت البنت جسدها لي في استسلام لأنظفه.مسكينة الفتاة، شخصان غريبان يلامسان مؤخرتها في أقل من دقيقة! قالت و هي تبكي بكاء رقيقا "أنا مكسوفة أوي. كل الناس بتبص علي".
مشهد 3:
كنت أسير و أختي الصغيرة علي الرصيف متجهين إلي المنزل، سيارة بها شابان تسير في بطؤ بجوارنا، "ما تركبوا يا حلوين..اركبوا نوصلكوا".
أسرعنا من سيرنا، أمسكت بكف أختي كأنني أخشي أن ينتزعاها مني، "مش عايزين تتعلموا الم*؟ ما تيجوا نعلمكوا الم*".
أطبقت بكفي علي كف أختي، كنت أتنفس بصعوبة و بعصبية شددية، أطلق قائد السيارة البوق فجأة و بقوة أفزعت أختي فسقطت علي الأرض، انحنيت عليها أساعدها علي النهوض، انطلقا بالسيارة و هما يضحكان.
مشهد 4
نزلت من مكان عملي، كانت الساعة الرابعة عصرا، مشيت في الشارع المزدحم بالبشر و السيارات، كان الصيف حارقا، دعوت الله أن يرزقني سريعا بتاكسي. اقترب مني شاب لا يتعدي عمره عشرين عاما. كل شيء فيه يبدو طبيعيا، لا شيء فيه يثير الشكوك، ما أن مر بجانبي حتي فوجئت به يدخل يده من بين ساقي من الخلف بشكل عنيف و سريع و مؤلم..بمجرد أن التفت كان قد ذاب وسط الزحام.
مشهد 5
رجل ضخم البنية، في عقده الرابع أو الخامس، علامة الصلاة تفترش جبهته بشكل صارخ، يقف بجانب سيارته، فيما يبدو ينتظر أحدا. السيارة فارهة و ملابس الرجل فارهة، و عطره نفاذ يغطي علي روائح القمامة و المخلفات التي تملا الشارع.
عندما مررت بجانبه انحني و همس في أذني "يا ش***** يا بنت الش****" نظرت له و عيناي ينطقان بسؤال واحد لا غير.."لماذا!!؟"
بالأمس سألني رجل تقدم لخطبتي: "هل لديك تجارب سابقة؟" احترت بماذا أجيبه..كيف أقول له لا و أنا كل شبر في جسدي قد لمسه أو احتك به أو قرصه أو ضربه رجل واحد علي الأقل!
العذرية ليست غشاء. العذرية أن يبقي جسدي مصانا حتي أسلمه أنا بكامل ارادتي إلي من أختار.
انا لا اريد أن اهاجر إلي بلد آخر، و لا اريد أن أثور علي المجتمع و الناس، أنا اريد فقط أن أأخذ -و لو ليوم واحد- عطلة..يوم بلا تحرش، بلا قلق أو خوف، بلا انتهاك، فأنا حقا قد أنهكني الانتهاك.
ساحة النقاش