كتبت_ ايناس محمود
عندما تنجب الأم طفلا ينتسب لأبويه ويأخذ منهم الصفات الوراثية وملامحهم أو من أقاربه وجده ومن الممكن أن يمتد للجذور الأولى لعائلته فيحمل جيناتها وأمراضها الوراثية، فنقول أبن فلان أو فلانه ويربى الأب والأم الإبن وينتقل له صفاتهم الحميدة والخبيثة معاً، وتنعكس بيئته وأسلوب تربيته والإطار القيمي والخلقي الذي ينشأ فيه الطفل ويؤثر على وشخصيته . فإذا بالولد كبر وأصبح لصاً أو قاتلاً أو مدمناً وتصبح تلك الجرائم صفات لصيقة به، فعندئذ لابد من الرجوع لسيرته ولعائلته لتفسير سلوكه الإجرامى وكيف نشأ وتأثير معاملة الأبوين على أخلاقه.
الأمر هنا لا يختلف بالنسبة للشعوب والأم، فلكل شعب حاكم وسلطة. نقول الحاكم ديكتاتور أو فاسد أو قاتل.... إلخ، لكن كما كنتم يُولى عليكم، فالحاكم ظاهرة تتجلى فيها الشعوب بتاريخها وميراثها الفكرى والفنى وإبداعاتها وحضارتها وقيمها. فيجب أن نبحث وراء كل حاكم سيء أو قاتل أو مستبد عن أبيه الشرعى المنتسب إليه والذى رباه ورعاه وصنعه على يديه وهو شعبه.
إن انجازات الحكام التاريخية هي وليدة لحظة تاريخية لأمه وشعب وليس مجرد قراراً ونجاحاً فردياً لحاكم وحده.
ألمانيا، على سبيل المثال، بعد أن دخلها الحلفاء فى عام 1945 وإنتهاء الحرب العالمية الثانية بتفكيكها بالمعنى الحرفى للكلمة، لدرجة أن علماءها تم ترحيلهم لأمريكا أو قتلهم ، وبالرغم من ذلك نهضت خلال سنوات قليلة لأن ما صنعته ألمانيا لم يكن جنون هتلر وحده ومن معه ولكن فعل الشعب الألمانى.
وفي 1258 م دخل التتار بغداد وذبحوا آخر الخلفاء العباسيين وجعلوا من كتب بغداد جسراً لعبور النهر، ولم يبقى غير المساجد والتى كانت منابر علم فى ذلك الوقت وليس محاريب صلاة فقط . وأسلم التتار بفعل تلك المنابر وعادوا سيرتهم الأولى من حيث أتوا لنشر الإسلام ، فجاءوا غزاة وعادوا دعاة . إنه فعل الشعوب وليس الحكام لأن الحاكم قد ذُبح وذهب أدراج الريح .
ولن نذهب بعيدا في ضرب الأمثلة ففي مصر بعد انسحاب الشرطة فى 28 يناير 2011 لم تتحول لكتلة اجرام ولم تنهار .
حكامنا ليسوا نقمه ولا منحه يختبرنا به الله وليسوا أشرار فى عالم الحق والجمال والخير ، إنهم منا ونحن منهم ، نحن من أنجبنا حكامنا ونحن من علمناهم قيمنا ونقلنا إليهم عواطفنا وشرنا وخيرنا . لاترفعوا أيديكم وتقولوا نحن أبرياء إلى الله ، ولاتتملصوا من ذنبوكم وتقولوا نوح أنجب سام العاصى ، لأن الله خلق نوحاً نبياً واحداً ولم يخلق مليارات منه لينجبوا أبناء عصاه.
آيها الشعب أنت مذنب ، التهمة موزعه بينك وبينك حاكمك وإبنك الشرعى لاتتملص من نسبه إليك .
سب وألعن كل ماتشاء عن حاكمك لكن لاتنسى انه إنعكاس صورتك على وجه الماء .
نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك ومرسى وطنطاوى والسيسى هم أبنائنا ، ونحن من صنعناهم .
لم يكن بين محمد نجيب وشعبه ألفه لأن نجيب رأى عكس ماترون أدرك أهمية الديمقراطية والإصلاح الإقتصادى التدريجى والبدء فى إصلاح يحقق عدالة إجتماعية لكنه على نار هادئة ليعطى لكل ذى حق حقه ، ولكنكم رفضتم وإستعجلتم العسل فعزل ناصر نجيب .ناصر كان أصدق من عبر عن وجدان شعبه وأتى له بما يريد لا ديمقراطية ولا أحزاب لأن الشعب يريد الأرض ولقمة العيش والتعليم ، فتوالت قرارات إلغاء الأحزاب وقذف الديمقراطية فى أقرب مقلب زبالة بينما سارت وتيرة الإصلاح الزراعى والتعليم المجانى على طريق ممهد.
أنتم من قلتم لناصر أذهب فلقد غفرنا لك ماتقدم وماتأخر من ذنبك ، وللحق الرجل فعل ماعليه ووضعت النكسه نقطة النهاية . شعب رفع ناصر على أكتافه إلى مماته وجاءته النكسه فخرج باكيا مهرولاً فى الشوارع يتوسل بقاءه .
والسادات نظرتم إليه نظرة المغشى عليه من الموت ، كانت لديكم عزيمة وإصرار على تحرير الأرض فجاء العبور والنصر بقرار من يحكم فهو مجرد ترجمة لشعوركم الجمعى ، لم يكن السادات لينتصر فى الحرب بدون شعب يصر على ذلك ولايرى بديلا إلا العبور، وفعل السداح مداح وقدم لكم الإنفتاح لتنهلوا من طبق العسل لأن الدولة لم تعد قادرة على المضى قدما فى عسل ناصر فإستبدلته بعسل الإنفتاح ولكن لايهم مادام العسل موجود.
مبارك هو الآخر كان أقرب إليكم من حبل الوريد حمل كل صفاتكم وأخلاقكم ولم يتزحزح درجة عن أبيه ، فكان مبارك بورتريه كامل الأوصاف والتقليد عن شعبه ،ورثتم ( التوريث الفئوى ) وهو فشل فى ان يورث إبنه الحكم ، هو ذهب وأنتم بقيتم تلعنون حكمه وأنتم تواصلون المسيرة من بعده. مبارك لم يكن حاكما ذكيا ولا قائدا ملهماً حتى ترمون بكل فشلكم وسوء خلقكم عليه وتقولون هو السبب فى سوء أخلاقنا .
ومرسى أنتم من اجلستموه على الكرسى وأنتم من أطلقتم وصف ( دول ناس بتوع ربنا ) على تنظيمه. ولكن عندما فاض بكم واحسستم بخطره وتنظيمه كانت الصيحة الكبرى التى أطاحت بيهم وجاء السيسى ليتحرك ومن وراءه مؤسسات الدولة طبقا لمزاجكم فى الفتك بالإخوان وقتلهم وانتم من فوضتم على الدماء ( لا أبحث وراء الأسباب ولكن يهمنى النتيجة )، فاشيتكم وأيديكم طالت التنظيم قبل أن تتحرك للسلطة يد ( التنظيم دفع الناس لذلك دفعاً وبداءو بالدم معهم فكانت اللطمة قوية ورد الفعل أقوى من الفعل ).
الحاكم ومن فى السلطة بمؤسساتها تنكمش وتتمد طبقا لحرارة أو بردوة شعوبهم .
لا يوجد شعب ديمقراطى وحاكم مستبد .
ثورة لم تنجح بعد ولم تحقق أهدافها بل ترتد على أعقابها فلماذا ؟ ....
دماء الشهداء لم تطهرنا بعد ويبدو أن التطهر يحتاج للمزيد والمزيد من الدم والنار.
من يرفع صوته هاتفاً الحق العيش العدل ويسقط المستبد هو مستبد وفاسد هو من إستباح الدم قبل الحاكم .
ضحايا أحد المعارك الثأرية فى الصعيد بين العائلات تفوق ضحايا معارك الشرطة وضحاياه ( لا أبرر طبعا فعل الأمن وعنفه ) .
أستاذاً جامعيا فى إحدى الكليات المرموقه يدرس كورس التنمية يقف فى وسط طلابه ويقول إبنتى تريد التخصص فى مجال غير مجالى فأرسلتها إلى كلية لى فيها أصدقاء سيتولون مهمة تعينها معيدة بالكلية !!
الأن الأستاذ الجامعى المحترم معارضاً ومثقفاً ويُشار إيه على أنه أحد أعضاء النخبة الموقرة وتملىء مقالاته الجرائد وأبحاثه الدنيا ليقول ويشرح ويفسر ويستفيض عن أسباب تخلفنا وسبل نجاح التنمية ، وكيف قال الحاكم وماذا فعل وهنا أخطىء وهناك أصاب.
تنويه ضروري وأخلاقي: كاتب المقال يبحث عن واسطه للحصول على وظيفة ملائمة وسعى إليها ولكنه فشل !! سوء حظ ليس أكثر، لو وجد الواسطة للحصول على الوظيفة لن يتردد فى قبولها طبعا فالبطالة أمر من العلقم.
لا أب يتبرأ من ابنه ولا شعب يتبرأ من حكامه
آيها الشعب حاكمك صنع يدك.
ساحة النقاش