كتب_ خالد عيد
خيط واهٍ جداً يفصل بين الجدية والعبث ولابد وأن يبقى الخيط كما هو دون نزعه.. حتى لا نصاب بالجنون.
من يعش معنا على هذه الأرض وعلى هذا الجزء من الكوكب المسمى بمجتمعنا المصرى يدرك جيدا أن حالة من العبث الشديد تسود وتحكم والكل يعلم ذلك.. والكل لا يفعل شيئا.
.. أن يحكم شعب حاكم مستبد ومتبلد فهذا جائز ومعقول.. ولكن أن يقوم هذا الشعب بثورة ضد هذا الحاكم ونظامه فيسقطه فى بضعة أيام ثم يأتى الشعب بحاكم آخر على نفس الدرجة من الاستبداد والتبلد بطريقة أخرى مغايرة فيسقطه الشعب مرة اخرى.. وأن تجد الى الان من يترحم على أيام كليهما .. فهذا ليس من المعقول.. بل من العبث.
أن يقرر رئيس الوزراء أخذ خطوة ثورية فيقر حداً أدنى للأجور ويتجاهل تطبيق حداً اقصى ليوقف صنبور المال الذى يغرق فيه كبار الموظفين بلا رقيب ولا حسيب.. وبدون حتى إعلان وشفافية عن كيفية التطبيق لحد أدنى فى ظل اختلال ميزانية الدولة وقلة الموارد.. فهذا عبث.
أن تتسبب اغانى فى الفرقة بين نسيج الوطن الواحد ويزعم أن تلك الاغانى وطنية تهدف إلى الإخاء المجتمعي.. ويتبارى كل فريق بأغانيه الخاصة.. فهذا عبث.
أن تنفصل ذهنيا ووجدانيا فئة من المجتمع للدرجة التى تجعلها تطرب لمجرد سماعها انباء عن قدوم بوارج عسكرية أمريكية فى مياهنا الإقليمية .. وسعيها المستميت لتشويه كل ما هو وطنى بل ويصرح احدهما مكتشفا أن الجيش الاسرائيلى أفضل من نظيره المصرى.. وسعيها لإفساد ذكرى نصر أكتوبر .. وانفراج اساريرها لهزيمة المنتخب المصرى بل وحرصهم على تواجد عناصرهم فى المدرجات الخاصة بالفريق الغانى وتشجيعهم له.. ثم يفاجئنا أحدهم وهو مسترخ بضرورة اشراكهم فى الحياة السياسية من جديد.. فهذا عبث.
ان يظل التخبط مطروحا وبقوة فى مجالس الفترة الانتقالية كالدستور وغيرها .. وتظل النخبة حائرة _وبعد ثلاث سنوات من ثورة يناير العظيمة_ فى تعريف وتسمية النظام السياسى فهل يكون رئاسيا ام يصبح برلمانيا حتى يقرر نبهائنا الجدد اختراع مصطلح جديد تماما بتسميته فيصير نظاما برلمانيا رئاسيا .. بقى فقط ان نسجله فى الشهر العقارى حفاظا على الملكية الفكرية لمكتشفيه.
ان نشن حروبا ضد افساد الذوق العام ونعلن اننا مجتمع راقى لا تعجبه تلك التفاهات والسفاهات المعبأه فى علب .. فننام هانئين لنستيقظ فنجد ان سلسلة الافلام الهابطة اياها تحطم الارقام القياسية فى الايرادات .. فيعنى هذا اننا بعيدون عن الواقع بألاف الكيلومترات .. ونتغول فى العبث .
ان تظل مشكلة التحرش قائمة ولا حل لها خصوصا مع كل عيد او مناسبة فنمضيه منتظرين احصاء حالات التحرش ويصدع رؤوسنا النبهاء بكلام ولغو دون ايجاد حلول فعلية للمشكلة .. فهذا عبث .
ان تستبدل الاوبرا والموسيقى الراقية بالمهرجانات الشعبية السفيهة .. والكتب بمواقع التواصل الاجتماعى .. والانشغال عن البحث العلمى بالانهماك فى كيفية تصبيع الكفتة على الطريقة الهندية .. فهذا عبث .
وان تكتب عشرات المقالات يصرخون كتابها بالحقيقة .. وان يكتب هذا المقال ايضا ويعلم كاتبه ان لا احد سيهتم او يحرك ساكنا .. فهذا ايضا.. عبث .
ساحة النقاش