كتب_ عمر سمير

لأن التاريخ هو معمل باحثي ودارسي العلوم السياسية فإن أحد أصدقائي وبلدياتي من مؤيدي الفريق عبد الفتاح السيسي جذبتنى مقارنته بين السيسي وعبد الناصر وصدام حسين فالرجل يري فيهم مخلصي الأمة العربية من كل مكروه وسوء، وربما ارتقي بهم من كثرة مدحه لهم إلى درجة أنصاف الآلهة فلايجوز نقدهم أو المساس بهم لأنهم رموز وطنية جاءت لمواجهة ظروف صعبة وعسيرة ويستحيل على المدنيين مواجهتها، هؤلاء موجودون بيننا بكثرة للأسف إنها صناعة الديكتاتور ياعزيزي.

تعالو بنا نعرج فى معملنا لندرس بعض تجارب التاريخ ونري ماذا تفصح عنه من نتائج، ولكن مبدئيا لست ضد أحد لشخصه إطلاقا وكنت ولازلت أحترم الكثير من جوانب شخصيات وسياسات المبحوثين، وبخاصة صدام حسين وجمال عبد الناصر وللإثنين فضل لاينكره إلا جاحد لكنني سأحاول أن أنظر نظرة تجريدية لأربعة نظم جاءت بانقلابات عسكرية فى 3 دول محورية في المنطقة العربية خلال 60 عاما الماضية، وهي تحديدا نظام العقيد معمر القذافي ونظام الراحل جمال عبد الناصر ونظام صدام حسين ونظام حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار.

تختلف نظرتك إلى ما حدث في 1952، وكذلك 25 يناير وفقا لقناعاتك لكنك لا تنكر دور العسكر في كلا الثورتين، وقد يختلف بعض الليبراليين المصريين على توصيف ما حدث باعتباره ثورة وبالذات في يوليو 1952 ولهم العذر في ذلك لأنها ثورة قامت في وجه نظام عادة ما يصمه المؤرخون بالليبرالي وهو أمر يحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق، لكنه في التحليل الأخير فإن ثمة أزمة اقتصادية واجتماعية كان يعاني منها النظام حينها وثمة هبات شعبية كبيرة سبقت تحرك الضباط الأحرار في يوليو كما أن ثمة سياسات اقتصادية واجتماعية مغايرة لما ساد في حقبة ما قبل 1952 قد اتخذت، وهو الأمر الذي يجعلني أصفها بالثورة مطمئنا حتى ولو كان القائمون على إطلاق شرارتها عسكريون فهم أبناء طبقة وسطي مثقفة دخلوا إلى الجيش من مشارب فكرية وسياسية مختلفة واستطاعوا أن يقودوا التغيير والحراك الشعبي الذي كان سيحدث ضد المستعمر بهم أو بغيرهم لكن فطنتهم جعلتهم في مقدمة هذا الحراك.

حدثت الثورة وسقط الملك وأقيمت الجمهورية وانتهى الاستعمار واستتب الأمر الداخلي إلى حد كبير بعد عدة أزمات جسام، لكن توظيف الثورة لصالح العسكر وعسكرة الحياة المدنية المصرية كانت تزداد يوما بعد يوم حتى تم عسكرة الثقافة المصرية وتحول المجتمع إلى مجتمع ناعق بـعاش الزعيم مات الزعيم، وظل الزعيم -وله ما له وعليه ما عليه- يخير الناس دوما بين الديمقراطية والحريات أو التنمية الاقتصادية والأمن، وكأنها متناقضات لا تجتمع.

بقي الزعيم سبعة عشر عاما وخلف وراءه جزءا محتلا من أرض الوطن واقتصادا على حافة الهاوية وجيشا لا يكاد يلفظ أنفاسه من وقع آخر هزيمة حلت به في العام 1967،وفراغا استغرق سنوات حتي استطاع من بعده ملء جزء منه وإن برؤية مغايرة تماما، وأرسيت قواعد نظام جمهورية الضباط التي ظلت تحكم مجتمعنا منذ 1952 وحتي الآن، أكثر من ستون عاما يحكمنا العسكر بالحديد والنار يتاجرون بالوطنية والدين وكل ما استطاعوا المتاجرة به لإثبات فشل غيرهم وقدرتهم وحدهم على قيادة مصر بوجوه مختلفة لكن شيئا لم يتحرك للأمام فلا التنمية التي بدأ ناصر بتدشينها تحققت ولا الديمقراطية والحرية تقدمت في جوهرها شبرا، وتري قطاعا منا بعد ثورة ثانية في 25 يناير يبحث عن زعيم ولو بفاشية مطلقة. هكذا آل حالنا بعد ستون عاما من حكم العسكر.

وفي ليبيا الشقيقة قاد العقيد معمر القذافي ثورة الفاتح من سبتمبر، وظل في الحكم قرابة اثنين وأربعين عاما وذهب بنفسه تعظيما وتفخيما حتى صار ملك ملوك أفريقيا، ثم ما لبث أن حارب شعبه ومزق جيشه ودمر شبه دولته وخلف أكثر من 60ألف قتيل  وما يزيد على المائة وخمسين ألف جريح، ولست شامتا فيه على ما فعل وما ارتكب من جرم وإنما سؤالي هنا ماذا لو كانت لديه رؤية محترمة لبناء دولة قوية مدنية تقوم على العدل والحرية والمواطنة والديمقراطية

وفي سوريا وبانقلاب عسكري أيضا حكم الجنرال حافظ الأسد سوريا تسعة وعشرون عاما ما بين عامي 1971،2000، ثم ورثها لابنه مدني التعليم عسكري الثقافة والنشأة والتربية بشار الأسد منذ 2000 وحتي 2013 ثلاثة عشر عاما أخري ضاعت فيها الجولان واستقلت فيها لبنان وتشرد أكثر من أربعة ملايين سوري وقتل أكثر من مئة وخمسين ألفا على يد الجنرال الأب والدكتور الابن، وتم استنزاف الجيش في حرب ضد الشعب السوري تحت دعاوي محاربة الجماعات المسلحة والمتطرفة هذا حصاد 42 عاما أخري من عمر أحد المجتمعات العربية الشقيقة

كما قام الجنرال صدام حسين بانقلاب عسكري حكم بموجبه العراق بالحديد والنار منذ العام 1979 وحتي التاسع من أبريل عام 2003، ثلاثة وعشرون عاما أخذته العزة بالإثم فأدخل الدول العربية جميعا في عداء تاريخي ما كان أغنانا عنه مع قوة إقليمية كبري كإيران ودخل محتلا إلى الكويت الشقيق فجلب التدخلات الدولية في بلاده التي زادها انقساما على انقسام حتى انفرط عقدها بعد سقوطه إلى جماعات وأقاليم أكثر تناحرا مما كانت عليه قبله، وانتهت الحال بالشعب الذي جعل منه زعيما ونصف إله حتى ما أن دخل الأمريكيين  العراق انهال عليه نفس الشعب تكسيرا في تماثيله، ترك دولة مهترئة الأجزاء ومنقسمة على أشد ما يكون الانقسام وأكثر من مليون قتيل وجريح، وأنا هنا لست شامتا في صدام حسين الذي قد أحترم كثيرا من جوانب شخصيته وأحسبه شهيدا والله حسيبه، وإنما أتساءل فقط ماذا لو كان همه العدل والحرية والديمقراطية طيلة طيلة الثلاثة وعشرين عاما التي حكمها ؟؟؟؟

كل هذه الأعوام ضاعت من أعمار المجتمعات العربية تحت حكم العسكر دون إنجاز تم وتطور فلا البلاد قد تحررت ولا الاقتصادات تقدمت، سوف يبادر البعض إلى القول وماذا قدم المدنيون للعالم العربي بعد الثورات، وسوف أبادر إليه قائلا اضمن لي أن تكف الأجهزة الأمنية والعسكر يدهم عن الثورات 5 سنوات فقط تقف على الحياد  وتقوم بمهامها كما في بقية بلاد الله ولا تصنع الأزمات وأنا أضمن لك اجتياز المجتمعات العربية عشرات السنين للأمام نحو التنمية والديمقراطية والحرية والعدل في سنوات معدودات، يكفي ما ضاع من عقود من أعمار المجتمعات العربية في صناعة الديكتاتور ولنعطي أنفسنا فرصة صناعة المؤسسات.

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 936 مشاهدة
نشرت فى 23 أكتوبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,123,931

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟