كتب_عمرو أحمد

كنت اعتقد دائما ان الفكرة التى صاغها المستشرق الفرنسى ارنست رينان فى القرن التاسع عشر عن العرب هى فكرة عنصرية حيث ذكر انهم – لأسباب نفسية تتعلق بعلم النفس Psychology – يملكون عقلية خاصة تتحكم بردود افعالهم. وعلى الرغم من موجة الانتقادات العنيفة التى وجهت لنظريته الا ان الوقائع الحديثة تشهد بأن الرجل ربما لم يكن مخطئا كليا خاصة حين يتعلق الامر بادارة الخلافات السياسية والتى اشتدت حدتها فى السنوات الاخيرة.

هناك خاصية هامة تميز الفكر السياسى العربى سواء على مستوى القيادة او على المستوى الشعبى تتلخص فى أن رأيى صواب دائما لا يحتمل الخطأ ورأيى غيرى خطأ دائما لا يحتمل الصواب، ليس هذا فحسب بل ان رأي غيرى خطأ ليس بسبب جهله او ضعف خبرته السياسية بل لأنه اما "خائن او كافر او منحرف جنسيا".

فيما يتعلق بالتكفير فهو يظهر بشكل استثنائى فى فترات ضعف النظام السياسى كمحاولة لتخويف العامة من الانضمام الى صفوف المعارضة باعتبارهم "خوارج ويجب قتلهم" وبأن مظاهراتهم ضد النظام "حرام لأنها خروج على الحاكم المسلم" ، اما فيما يتعلق بالاتهامات الجنسية فهى جاهزة دائما للنيل من شرف الخصم السياسى و هى تتدرج من اتهامات لعموم الناس – كما اشُيع ابان ثورة يناير بوجود "علاقات جنسية كاملة" بين الثوار، وكما اشُيع عن "جهاد النكاح" فى اعتصام رابعة العدوية – الى اتهامات للقادة السياسيين انفسهم – و قد زادت هذه الحالات بشكل واضح فى الفترة الاخيرة - وانتهاءاً بالمستوى الدولى كما حدث فى بداية التسعينات حينما نشرت بعض الصحف اخباراً خيالية عن ارسال بعض الدول العربية لمئات من فتياتها للترفيه عن الجنود اثناء حرب الخليج الثانية !!!

بالرغم من اهمية عوامل التكفير والاتهامات الجنسية فى الفكر السياسى العربى الا انها تتضاءل امام العامل الاهم والدائم والاقرب للتصديق وهو "الخيانة". فلا اعلم صراع سياسى كبير فى تاريخنا القديم او الحديث الا وكان هناك طرف وطنى – غالبا هو من قام بكتابة تاريخ هذه الحقبة – وطرف خائن. فهناك دائما شخص عميل للخارج ايا كان هذا الخارج يقابله قائد وطنى يأتى على هيئة " المخّلص"، لكى يتحول الصراع فى مجمله الى صراع بين الخير والشر وبين الحق والباطل وليس مجرد صراع فكرى يحتمل ان يكون طرفى الصراع على صواب او على خطأ.

لذا فإن وجود الخونة او ادعاء وجودهم فى كل زمان و مكان يرجع الى اهمية ايجاد سبب يبرر ما تقوم به النظم الحاكمة من "اجراءات استثنائية" دائماً لحفظ "الأمن القومى" و"المصلحة العليا للدولة" ومنع "الاعتداء على السيادة" – وهى مصطلحات عامة لا يعلم معظم من يرددونها معناها فعليا -  كما انه مبرر منطقى سهل امام الجموع المؤيدة للنظام لتأييد اى اجراءات من شأنها الاعتداء على حقوق افراد المجتمع. فكيف ابرر لنفسى قتل وحبس وتشريد الاف المواطنين الا اذا كنت اعتقد فى قرارة نفسى انهم خونة وان وجودهم خطر داهم على الامن القومى، حتى وان كانوا اطفالا فهم حتما سيشكلون خطرا مستقبليا، وبالتالى فاتخاذ النظام اى اجراء بشأنهم هو ضرورة لا غنى عنها.

كقاعدة عامة يرتبط مفهوم الخيانة فى العقلية العربية بنظرية المؤامرة ارتباطاً مباشرا حيث - لسبب لا يعلمه الا الله - تتأمر كل شعوب العالم وكل الحكومات والمنظمات الدولية ضد العرب و ضد الاسلام، وهى تعمل ليلا نهارا لهدف واحد وهو تدمير الجيوش العربية وتغيير قيمنا واخلاقنا - الغير موجودة على ارض الواقع. ودون الخوض فى اسباب هشاشة هذا المنطق الا انى اعتقد انه لو كان "للغرب" ان يتأمر على احد فأولى به ان يتأمر على الصين مثلا او ماليزيا او الهند باعتبار ان هذه الدول تمثل منافساً محتملا و خطرا حقيقيا، اما ان يتأمر على دول فى ادنى سلم الحضارة فهذا من باب "البارنويا القومية" لو كان هناك شيئا بهذا الاسم. المهم ان نظرية المؤامرة تؤدى الى نتيجتين رئيسيتين الاولى انها تؤكد وجود الخونة لتنفيذ مخططات المتأمرين و"أجندتهم الخارجية"، والثانية انها تدعم اهمية اغلاق كل منافذ حرية التعبيرعن هؤلاء الخونة درءاً لخطرهم ومنعاً لتسرب اراءهم المسممة لباقى افراد الشعب.

فى النهاية يبقى السؤال عالقاً: هل فكرة التخوين فى العقلية العربية هى نوع من الانكار طويل الامد للواقع ام انها محاولة للتكيف مع الالام واخفاقات هذا الواقع؟

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1092 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,030,581

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟