من السد العالي جنوبا إلى مدينة رأس البر شمالا، قطع الشاب نديم المسيري مسافة 1200 كيلومترا، خلال 40 يوما، ليكون أول مصري يقوم بقطع هذه المسافة تجديفا. بقوارب الكاياك (أحادية التجديف).
يحكي عن مغامرته: "هذه الرحلة تتملكني منذ الطفولة، بل كانت رغبة جامحة لديّ، لكني ظللت لوقت طويل أعيشها في خيالي فقط، إلى أن جاء الوقت الذي قررت فيه أن أخرج من عالم الأفكار إلى عالم الواقع لأحول حلمي إلى حقيقة".
جاءت فكرة التجديف من أسوان إلى دمياط بعد سلسلة من المحاولات التي كان يجرب فيها نفسه لمسافات صغيرة، واختار هذه المغامرة على وجه الخصوص لأنه عاشق لنهر النيل، وأراد أن يعيد اكتشاف جمال مصر على ضفاف النهر، ومشاهد سريان المياه من الجنوب إلى الشمال، لاسيما أنه يهوى ويمارس الفن التشكيلي، وله مشاركات بالمعارض الفنية داخل وخارج مصر.
عن تفاصيل الرحلة، يقول "المسيري": "كنت أقوم بالتجديف صباحا حتى غروب الشمس لما يقرب من 10 ساعات، بينما أخلد في الليل إلى الراحة والتزود بالطعام، حيث اعتمدت على المُعلبات التي كانت برفقتي لمدة 10 أيام، كما كنت أخيمّ للنوم على ضفاف النيل سواء في المزارع أو على الرمال بخيمة كانت بحوزتي، وأحيانا كنت أستمر برحلتي ليلا".
ردود فعل إيجابية وجدها الشاب، صاحب الـ25 عاما، طول أيام المغامرة من جانب من يشاهده أو يتعرف على رحلته، إذ كانت الناس يدعمونه بشدة ويدعونه لكي يخيّم ليلا لديهم خاصة في مزارعهم، بل منهم كان يشاركه المبيت تضامنا معه.
ويتابع: "احتضنني الجميع، رغم أن كثيرون لم يفهموا ما الهدف مما أفعل، حيث أن ثقافة المغامرة غير منتشرة على الإطلاق في مصر لاسيما في الأقاليم المصرية البعيدة عن القاهرة، حيث تكون مرتبطة في الأذهان بوجود حافز أو جائزة"، لافتا إلى أن هذا الدعم الكبير تعلم منه فكرة العطاء دون مقابل، وقرر معه مساعدة من يستطيع تقديم العون له للوصول إلى تحقيق أفكاره وأحلامه دونانتظار المقابل.
أما الصعوبات بحسب صاحب الرحلة؛ فتمثلت في أن قارب الكاياك ليس من أسرع طرق التنقل، وبالتالي كان عليه الصبر على بطء المسير، خاصة مع الظروف المناخية في شمال مصر حيث عليه مقاومة الهواء الشديد مما يزيد من بطء الحركة، إلى جانب التعب البدني والإرهاق التراكمي نتيجة التجديف لساعات طويلة بشكل يومي. لافتا إلى أنه تعرض للتسمم في بداية الرحلة مما أو أوقفه لمدة ثلاث أيام عن مغامرته لتلقي العلاج والتعافي، وهو ما مثل إحدى الصعوبات التي واجهها أيضا خلال الرحلة.
يعدد "المسيري" فوائد مغامرته قائلا: "تأثرت بالحياة البسيطة التي كنت أعيشها طوال مدة المغامرة، إذ كنت متخففا من كل سبل الرفاهية، مستكفيا بالقليل في كل الأمور، ورغم ذلك فقد كنت سعيدا للغاية لأن ذلك أعطاني إحساسا بالحرية، والعيش بسلام، وهو شعور أتعطش له حاليا، كما أنني مع ما وجدته من بساطة العيش على طول ضفاف النهر لمست أننا نعيش في المدينة رفاهية تزيد عما نحتاج إليه".
أما أكثر الفوائد برأيه فهو تمكنه من اكتشاف قدراته الشخصية وإمكانياته البدنية، فعلى سبيل المثال كان يقوم بالتجديف لمسافة 50 كيلومتر في اليوم، ويظن ألا بإمكانه أن يتخطى ذلك الرقم كحد أقصى له، ولكنه في أحد الأيام تمكن من التجديف لمسافة 90 كيلومتر، وهذا جعله يتعرف على إمكانياته الحقيقية واكتشاف ذاته.
رغم الصعوبات التي اكتنفت هذه المغامرة، إلا أن "المسيري" يرى فيها بداية تبعث فيه الثقة نحو تنفيذ خطط أكبر في المستقبل، خاصة أن من نتائج الرحلة أنه اتجه للعمل في مجال سياحة المغامرات، رغم أنه دارس لهندسة الميكانيكا في الأساس، وهذا ما يشجعه لخوض مغامرات أخرى سواء بقارب الكاياك أو وسائل أخرى، مع الخروج بمغامراته إلى خارج مصر.
ساحة النقاش