كتبت :سارة مهران

تفتح عيناها فتغضب،لكمّ تتمني كل ليلة ألا تري عيناها نور الحياة مرة أخري.

تستغفر ربها على استحواذ الرغبة فى الموت على تفكيرها ولكنّها على يقين أنه يَعلم أن ما فى قلبها ما عاد يُحتمل.

تنهض من فراشها بتثاقل وهي لا تدري كيف ستمر تلك الساعات الآتية.

تعلم أن الوقت فى أيام الألم يمّركأنه دهر،فكيف ستقويَ على تحمل هذا الدهر من جديد ؟.

تقف أمام مرآة غرفتها فتبكي.

تتحسس وجهها وتتلمس تفاصيله كأنها تراه لأول مرة.

تشعر أن هذا الوجه لم يعد وجهها كما لم تعد تلك حياتها.

أين ولّت ضحكتها الصافية التى كانت تملأ حياتها وحياة من حولها بهجة وسعادة ؟.

لقد صار وجهها شاحباً كأنها خارجة لتوها من عملية جراحية معقدة.

لقد فقدت الكثير من وزنها فلم يعد جسدها يتحمل نوبة قاسية من البكاء فهل يمكن أن يتحمل مشقات الحياة ؟.

عندما تنظر لنفسها تشعر كأن روحها قد صعدت إلي بارئها وما هي إلا جثة هامدة.

تُقسم كل يوم ألا تطيل النظر فى تلك المرآة الملعونة حتى لا تتذكر كل هذا،ولكنّها ما أن تمر أمامها حتي تنسي حَنثها وتتناسي ما تسببه تلك الوقفة لها من ألم.

تترك شعرها مبعثراً كما هو ليكون دليلاً آخر على تدهور حالتها وتذهب كي تُعد القهوة.

أحياناً تشعر أن تلك القهوة كالخمر تفقدها ذاكرتها لبضع دقائق،ولكنّها بينها وبين نفسها تعلم أنها تكذب فهي كثيراً ما تذرف دموعها أثناء إحتسائها قهوتها.

ما عاد هناك شئ يُنسيها ما هي فيه بل كل شئ حولها يُعيدها إلي واقعها المؤلم.

تجلس فى شرفتها ناظرة إلي اللاشئ وتسأل نفس السؤال:كيف وصلت حياتى إلي هذا الانهيار؟!.

ألم تكن حياتى على ما يرام،لماذا انقلبت رأساً على عقب فجأة ؟!.

تجد أمامها الكثير من المشاكل الصغيرة التى اعتادت بقوتها أن تهزمها دونما بذل أي عناء يُذكر،فلماذا تلك المشاكل هي السبب الآن فى أنها ترغب حقاً في أن تترك الدنيا بما فيها ؟!.

لطالما آمنت بأن الاشياء الصغيرة إذا ما اجتمعت جنباً إلي جنب فإنها تُشكّل شيئاً كبيراً يؤثر فى الحياة أيما تاثير، ولكن كيف حدثت تلك الاشياء الصغيرة ؟!.

كيف تركتها تمّر من أمامها مرور الكرام ولم تُعيرها اهتماماً ؟!.

لماذا لم تحل كل مشكلة صغيرة على حِدة حتى لا تكمّل صف باقي أخواتها الصغار؟!.

تتذكر أنها دائماً ما كانت تري أنها بالقوة التى لا تُجيز لها أن تلتفت إلي تلك المشاكل التافهة.

"إذاً تستحقين ما أنتِ فيه أيتها القويّة"هكذا قالت لنفسها وهي تستشيط غضباً،لقد اعتادت أن تَسُب نفسها بأقذع الألفاظ خلال تلك الجِلسة التى تستمر لساعات لا يَعلم عددها إلا الله،فهي لم تعد تلتفت إلي الوقت.

تتذكر أن القهوة قد بَرُدَت كالعادة فتحتسيها باردة.

لا يهم إذا كانت ساخنة أم باردة،أستنتهي الحياة إذا ما كانت القهوة باردة ؟.

الحياة لا تنتهي بتلك السهولة.

" الحياة ستستمر إلي أجلٍ غير مُسمي بوجودي أو من دوني.لن أحزن إذا أستمرت الحياة من دوني ولكنّي أتوّجع لأنها تستمر بينما أنا ثابتة لا أبرح مكاني" هكذا قالت بصوت مسموع مصحوباً بتنهيدة.

تظل فى مكانها ولكنها تشغل موسيقي علّها تهدئ من تزاحم الأفكار فى رأسها،عساها تُوقف سيل الآلام الذي يكاد يعصف بقلبها.

ترفع هاتفها أمام ناظرها فلا تجد أي مكالمة لم يُرَد عليها.

"ومن سيتصل بك وأنتِ فى هذه الحالة المزرية ؟"هكذا حادثت نفسها وعيناها تدمع.

لم تكن تتخيل أن صداقتها مع من حولها من الناس أحد تلك التفاصيل الصغيرة فى حياتها والتى لم تبالي بها،والتى أودت بحياتها خيرٌ إيدَاء.

لم تدرك إلا فى هذه الأيام أنهم لم يفهموا دواخلها يوماً،لم تكن تعرف أنهم سيتركوها بمفردها فى هذه الحالة.

كيف يعرفوا أنها بعد خمس سنوات عمل فى شركتها تتخلي عنها تلك الشركة دونما إبداء أيّ سبب ولا يهزهم هذا ؟!.

ألم يكونوا على علم بأن حياتها في عملها،كيف لم يحاولوا أن يساعدوها كي تصبر على تلك الفاجعة ؟.

كيف قالوا يوماً أنهم يحبونها وهم لا يعرفوها،بل كيف كانوا يقولون أنهم أصدقاؤها وهم لم ولن يكونوا يوماً بجانبها.

"أنتِ المخطئة"عادت لتلقي اللوم على نفسها من جديد.فهي التى بغرورها ظنّت أنها ستكون قادرة دائماً على مساندتهم وأنها لن تحتاج أن ينتشلوها يوماً من أوحال الضياع،فلتتجرع إذاً عذاب ما اجترفت يداها.

ولكن هل هي ضاعت حقاً ؟!.

ألم يعد هناك من أمل لتعود لنجاحها المشهود له بين الناس ؟.

إذا كانت الشركة قد تخلّت عنها،فهل ستتخلي هي عن أحلامها فى ارتقاء سُلم النجاح حتي الوصول إلي أعلي درجاته ؟.

تباً للشركة وتباً لكل من تخلّي عنها فى لحظات ضعفها،وتباً لهذا الوجع العاصف بقلبها.

"فترة وستمضي كغيرها" هكذا قال لها عقلها المُحافظ رغم ما حدث على منطقه،والمُحاوِل معها يومياً كي تستفيق وتدرك أن الهروب لن يكون حلاً شافياً لما هي فيه.

إن قلبها قد تجاوز حد الوجع وهي مازالت على قيد الحياة،ألا يكفيها سنة من عمرها قضتها فى الحسرة على ما جري ؟!.

تعلم أنها حاولت كثيراً أن تُخرج نفسها من هذه الحالة ولكنّ محاولاتها تلك قد باءت بالفشل،فلمَ لا تحاول مرة أخري بل و مرات أخري ؟.

من ماذا تخاف ؟.

أتخشي أن تتوجع أكثر مما تتوجع،فليكن،لن يفرق وجع اليوم كثيراً عن وجع الأمس.

ثم ماذا جنت هي من الخوف ؟.

ألم تكن على علم بأن الشركة لا تُقدّر جهودها ولكنّها خافت أن تتركها فتنازلت الشركة عنها وكأنها كرسيّ لم تَعد المساحة تسمح بوجوده.

ألم تخشي أن تعاتب صديقاتها على عدم اهتمامهم بأمورها الشخصية وعلى عدم محاولتهم لفهمها حق الفهم كيلا تخسرهم،فلم تُجني من خوفها إلا خسارتهم.

تركوها وكأنها لم تكن موجودة فى حياتهم يوماً.

كانت تسير في حياتها حذرة أكثر من اللازم فبما أفادها هذا الحذر المُبالغ فيه ؟.

إن الحياة لن تتركك حتي وإن أغلقت كل باب يأتيك منه الريح.سيأتي لك الريح شئت أم أبيت،ولربما يأتيك من تحت الباب الذي أغلقته جيداً.

انتفضت من على كرسيّها كأنها قد أصابها المسّ،ثم أتجهت إلي غرفتها مسرعة وقد ارتسمت على شفتاها ابتسامة لم تعرف طريقها إلي تلك الشفتين من زمن.

فتحت دولابها وأخرجت أجمل ما لديها من ملابس،ثم وقفت هنيهة كي تسأل نفسها إلي أين ستذهب،فأجابتها بأنه لا يهم سوي أننا سنخرج من تلك الصومعة.

ضحكت لجنانها الذي لم يستطع الوجع الذي يسيطر على حياتها أن يُمحيه.

تذكرت أنها لم ترَ الشارع منذ شهور فابتسمت لأنها ستراه اليوم.

ستستكشفه اليوم كأنها تراه لأول مرة.

لتترك تفكيرها فى حياتها التى صارت قابلة للإصلاح للأيام القادمة،

فمن الواضح جليّا أن أيام الوجع قد شارفت على الانتهاء.

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1917 مشاهدة
نشرت فى 17 يناير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,035,741

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟