كتبت : إيمان زهران 

المتابع للشأن الإقتصادى وخاصة حينما يرتبط بالبعد السياسى  يجد أن هناك سمة ترابط ما بين منظومة الفساد وإعاقتها للتنمية وهو بدورة ما يعيق الفكر الإصلاحى والذى من شأنة أن يضعف من دور الدولة التنموى . 

إن خطورة الفساد، ليست في نتائجه الاقتصادية فحسب إنما خطورته الكبرى، في نتائجه الاجتماعية. وفي خلخلة العلاقات بين أفراد المجتمع، وإقامتها على أسس غير سليمة وغير سوية. 

الفساد اليوم أتى مستغلاً ظروفاً معينة من شأنها إعاقة اختيار طريق الإصلاح، كما يعيق خيار التنمية والعدالة الاجتماعية.  فالفاسدون والمفسدون لا يريدون الإصلاح لأنه يكشفهم ويحد من قدراتهم على استنزاف ما بقي من موارد في الدولة،ويمنعهم من الاستمتاع بما حصدوة عن طريق النهب والسرقة .

من هنا، تبدو أهمية الإصلاح في تحقيق وإشاعة أجواء الشفافية وإطلاق الحريات السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وتدعيم الوحدة الوطنية. لأن مثل هذه الأجواء تساعد على كشف الفساد ورموزه الذى لا يعمل إلا في الأجواء المظلمة، وفي غياب الحياة السياسية والحريات الإعلامية. 

ولهذا دائماً ما تركز الأصوات على أن المحاسبة والمساءلة لكافة دوائر الفساد ، فهؤلاء بما استطاعوا تحقيقه ، وبعلاقاتهم الداخلية والخارجية، أصبحت لديهم مراكز نفوذ، قادرة بما لديها من إمكانات على إعاقة عملية الإصلاح، وكذلك عملية التنمية.

كذلك إقتصاديا ؛ استطاع هؤلاء الاستفادة من أجواء عالمية وإقليمية وداخلية، فعملوا على تحريف مسيرة التنمية، وأعاقوا هذه المسيرة.  ؛ وعمدوا على تشوية  التطبيق للأفكار الإقتصادية المطروحة كالسوق الحرة، والاندماج بالاقتصاد العالمي وغيرها من أفكار اقتصادية مختلفة ترتبط بالأيدولوجيات والممارسات السياسية للدولة الوطنية.

لعل "المشكلة الاقتصادية" القائمة حاليا تتمثل فى التخبط وعدم وضوح الرؤى حول سياسات تستهدف الإصلاح الاقتصادي, بحيث يعاد الاعتبار لدور الدولة التنموي من خلال استراتيجية تنموية واضحة، ومنهاج مرحلي أو برنامج تنفيذي ينسجم مع تلك الاستراتيجية.

إضافة لحالة التخبط الإستراتيجى ؛ هناك حالة من ضعف الإدارة وضعف الثقافة الاقتصادية على مختلف المستويات إلى جانب البيروقراطية وتفشى الفساد.

رغم عدم تعمقى فى الدراسات الإقتصادية ونظرياتها المختلفة ؛ لكن توصيفى للمشكلة الحالية ليست فقط فى تراجع معدلات النمو الاقتصادي وإنما أيضا هي مشكلة تراجع لمؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية معاً. أي أنها مشكلة تدني مؤشرات التنمية الإنسانية بما يؤثر تباعا على انخفاض معدلات النمو الاقتصادي.

المشكلات الإقتصادية متخبطة ما بين العديد من الأفكار والإطروحات والتى تحمل الشقين الإيجابى والسلبى ؛ فنظام السوق الحر وآلياته من جهه غير قادر على تحقيق التنمية المطلوبة فهو يطلق العنان للمصالح الفردية ويسعى لتحقيق هذه المصالح، بصرف النظر عن المصلحة العامة، وعن مصلحة الاقتصاد الوطني بمجمله, لهذا لا يمكن الركون إلى السوق لوحده في إدارة شؤون الاقتصادي الوطني.

كذلك ؛ حالة الفوضى والاحتكار يقودان إلى تمركز الثروة بيد القلة، بينما يعيش االأغلب من الشعب في الفقر والعوز والجهل والمرض وستكون نتيجة ذلك من يمتلك يكون له الحق المكتسب ومن ثم سيتم سيادة قانون الأقوى ( قانون الغاب).

بالمقابل، فقد أثبتت التجارب في الدول الاشتراكية السابقة وفق النموذج السوفياتي أن التخطيط المركزي وانفراد الإدارة البيروقراطية في قيادة الاقتصاد الوطني, أدى بدورة إلى جمود الاقتصاد وإشاعة سلوكيات التواكل وعدم المبادرة وشيوع الفساد. 

على الرغم من أن النموذج الإشتراكى  قد حقق في البداية نهوضاً اجتماعياً واقتصادياً هاماً, إلا أن الجمود الفكري وعدم حيوية الإدارة، وخنق المبادرات الفردية، وهيمنة الدولة على جميع مرافق الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أدى في النهاية إلى انهيارها.

لهذا لا بد من إيجاد النظام الذي يسمح بالجمع بين نظام التخطيط، ونظام آليات السوق الحر, بما يسمح باستبعاد السلبيات في كل منهما, والتركيز على الإيجابيات.

وفقا لذلك ؛ على الدولة أن تتحمل كافة مسؤولياتها في قيادة التنمية، وأن يكون للتخطيط بعد تحديث أساليبه الدور الأساسي بما يتطلب ذلك تطهير أجهزة الدولة من الفساد وتحديثها وتطويرها وإعداد كوادرها للقيام بهذه المهمة.

 كذلك؛ يتطلب ذلك إعادة هيكلة القطاع الخاص، واتخاذ كل ما من شأنه رفع مقدرته, ودعمه وتشجيعه للقيام بدوره الجديد كشريك أساسي في عملية التنمية.إضافة إلى الدفع بالقطاع الثالث المتمثل فى المجتمع المدنى وفتح المجال لمساهمتة الفعلية فى عملية التنمية. 

تلك الأطروحات تحتاج جميعها إلى حياة سياسية تسمح بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية, وخلق المناخ الديمقراطي، الذي يساعد على الشفافية والمساءلة والمحاسبة ونشر ثقافة جديدة تقوم على مبادئ المشاركة الديمقراطية والقبول بالآخر وسلامة نظام المقاضاة والذى من شأنها جميعا الدفع بعملية التنمية وإعادة هيكلة الأسس الإقتصادية للدولة على نحو متقدم وفعال.

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1025 مشاهدة
نشرت فى 18 فبراير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,125,395

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟