كتب_ عمر سمير

ربما يصبح غريبا أن تتحدث عن الإصلاح بعد ثورة أو ثورتين كما يحلو للبعض من فاهمي التيتة اللى عملوها في 6 ساعات واستعملوا في الانقلاب على المسار الديموقراطي، لكن على أية حال ليست هذه قضيتنا، وإنما بعد أن ساهمت نخبت العواجيز ودولة مبارك العميقة في تحطيم آمال كثيرين من الشباب في التغيير حاليا أو على الأقل تأجيل حلمنا في التغيير فإنه لا بد من الحديث عن الإصلاح على الأقل وإن كنت لست مؤمنا إلا بحتمية التغيير الجذري الذي أؤمن أنه سيحدث وقريبا بإذن الله شاء من شاء وأبي من أبي.

المهم أنه واستمرارا لمقالات قضايا ثورية مؤجلة، فإننا لا بد كثوريين وكشعوب أن ندرك أن هذه القضايا مهما طال تأجيلها فإنها لا بد من الولوج إليها والتفكير فيها وبعمق شديد كشرط لبقائنا أحياء في دولة، وإلا فعلينا أن نعلن أننا في لادولة أو دون اللادولة بمراحل، واستكمالا لما طرحناه في مقالين سابقين، فإن رأس الأفعي في كل نظام هو جهاز الدولة ومؤسساتها المختلفة، والتي تملك أعلى رصيد من الفساد والقدرة على الإفساد.

فعندما يتصرف الجهاز الإداري للدولة باعتباره حزبا سياسيا يحتكر حق ادعاء حماية مؤسساتها من أى تدخل من قبل الآخرين في حين أنه منحاز سياسيا لطرف النظام السابق، وحاول قادته أن يجاملوا نظام ما بعد الثورة باعتباره أمرا واقعا ولكنهم أوقعوه في شر أعماله، بل وعملوا ضده عندما شعروا أنه لا يبادلهم نفس القدر من المجاملة في كثير من الأحيان، هذا الجهاز الإداري بموظفيه الملايين الست يقدس ما يسميه الاستقرار ويسميه أبسط الفاهمين لأوضاع الدولة أنه استقرار على الوضع الأسوأ أو جمود على أقل تقدير، هذا الجهاز هو من دمر ثورة 1952 لا شك -بالإضافة لعوامل أخري- هذا الجهاز بكل موظفيه الذين طهقوا المصريين في عيشتهم وأوقفوا حال كل من لم يشخلن جيبه أو تليفوناته وتوصياته، وكان أصغر موظفيه يتصرف باعتباره ديكتاتورا في موقعه، يغلق شبابيك المستشفي والسجل المدني وأبواب المدرسة ويوقف تنفيذ مشروعات ويعيق عمل جمعيات ويغلق كل باب أمام أبسط حقوق المواطنين لمجرد أن زوجته لم تشبعه في الليلة الماضية أو لأن مزاج سيادته مش رايق أو لآن مواطن زعقله أو لمحله ان ليه حق، ثم يتبجح في وجهه اشتكيني للتخين وابقى قابلني لو قضيتلك مصلحة وهتجيني هتجيني وهتشخلن بإرادة ميتين أمك أو أبوك أو غصب عنك.

هذا الجهاز بكل مراراته وفساد قياداته وقوانينه ولوائحه وتفسيرات كباراته لهذه اللوائح والقوانين حسب المزاج الشخصي، وادعائه أنه أقدم جهاز بيروقراطي في العالم مع أن هذا مدعاة لتطوير ذاته ويدينه أكثر مما ينصفه، يسيطر عليه في معظمه جيل جوابات القوي العاملة الذي يري في الدولة بابا وماما وأنكل وأنور وجدي،  طبعا هذه الجوابات  مع احترامنا لها ووتمنياتنا بأن تأتي كانت لها معايير في غابر الزمن لكنها لم تعد تأتي ومعظم الشباب إن دخلوا عليه فهم إما أبناء هؤلاء العاملين أو أبناء أسيادهم من دافعي الرشاوي وأصحاب الصولجانات إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.

هذا الجيل المسيطر على ذلك الجهاز لا زال يبث في الأجيال الأصغر أمثلة من قبيل "إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه"، والمثل مع غباء سياسات ننفس ذات الدولة اللى بيعبدها هذا الموظف المردد له للأسف أصبحت له وجاهة في أوساط كثير من الشباب الذي خرج للدنيا فوجد قطاعا عاما قد بيع وما تبقى منه يخسر ومع ذلك قياداته تتحصل على مرتبات خيالية، وجد جيلنا قطاعا خاصا أشبه بالمرتزقة يقلبون عيشهم في أى مجال ويتركونه ويسرحون عمالتهم ويشردون أسرا دون رقيب ولا عتيد من تأمينات أو ضرائب أو مصالح حكومية اجتاحها الفساد رأسا على عقب، يجد هذا المثل وجاهته لكن ما باليد حيلة والحكومة بعد أن ترهلت بأتباع فلان وعلان من غير الأكفاء لم يعد فيها مكانا للأكفاء ذهب الأمل مع من يموتون في العبارات والقطارات وحوادث الطرق وفي عرض البحر من الشباب، وبقي عجائز القوم من مؤيدي الاستقرار اللى عايشين زي ما كل الناس عايشة وتبقى المؤسسات تغذي بنوعيات أردأ مما قبلها وسرعان ما تتعلم منهم وسائلهم القذرة في التعامل مع المواطنين بمنطق السبوبة وتمارس عليهم تمارين الاستبداد الصباحية والمسائية بتعبير أحد أساتذتنا الأجلاء.

 

لست أتحدث لأزيد الإحباطات لأن هذه الممارسات عجلت بالثورة من حيث لا تدري وأفصحت عن تناقضات بين جيلين جيل جواب القوى العاملة وجيل البطالة والتهميش والتيئيس، هذا التناقض كان لابد أن ينفجر وهو ما حدث في يناير وقبلها لكن لم يستوعب حقيقته الكثيرون حتى الآن وسيحدث مستقبلا ما لم تتغير المعادلة، خلاصة القول أنه لا ثورة ولا استقرار طالما لم نعيد النظر في تراث هذه البيروقراطية وممارساته لتمارين الاستبداد الصباحية والمسائية على المواطنين، ومراجعة كل مصادر هذه التمارين من عادات ولوائح وقوانين ومدونات سلوك والذي منه وبشكل عاجل، ولابد أن يكون ناتج هذه المراجعات تحييد هذا الجهاز تجاه كافة الأفكار والتيارات السياسية والدينية والعرقية داخل المجتمع كما الدول التي تحترم أجهزتها ومواطنيها، ووضع قواعد مغايرة للدخول إليه والترقي فيه والخروج منه تتناسب وطموحات جيلنا في العدل والحرية والكرامة، وتحرير قياداته من انتماءاتهم للأحزاب الحاكمة والتصرف باعتبارهم مندوبي الحزب، ووضع قواعد صارمة لحسم تلك العلاقات  والممارسات.

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 919 مشاهدة
نشرت فى 19 يناير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,523,207

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟