<!--

<!-- <!-- <!-- [if gte mso 10]> <mce:style><!-- /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin-top:.75in; mso-para-margin-right:0in; mso-para-margin-bottom:42.0pt; mso-para-margin-left:0in; text-indent:389.8pt; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-fareast-language:ZH-TW;} -->

بقلم :هانى كشك

تأمل وجهى فى صمت وكأنه يسترجع الأحداث وأطال النظر ثم وجدته يردد إسمى

هو : أنت محمود أسمك محمود ولكن للأسف ذاكرتى لاتسعفنى أن أذكر إسم والدك .

أنا : محمود أبو الدهب .

هو : مرحباً بك تفضل يا ولدى تفضل . كم كنت أتمنى أن التقى بأحد تلاميذى .

دخلنا إلى نفس الغرفة التى كنا نجلس فيها .. لم تتغير الغرفة كثيراً .. فقط ظهرت عليها اثار الشيخوخة . جاء اللقاء جميلاً . وكان يسألنى عن أصدقائى واحداً واحداً وكأنه تركنا بالأمس ومع كل واحد كنت أجيب نفس الاجابة ... لا أعرف شيئاً عنه فقد إنقطعت كل الصلات بينى وبين أصدقائى . ظهرت عليه علامات التعجب وسألنى

هو : لماذا ؟

أنا : بعد المرحلة الثانوية تفرقنا فى كليات مختلفة وشغلتنا الدنيا ولم يعد أحد يسأل على الاخر .

هو : تلك هى طبيعة الحياة .. يتغير الاصدقاء مع تغير مراحل العمر .

أنا : سيدى .. أنا ليس لدى أصدقاء تماماً الان .

هو : مشاغل الحياة ؟ أم أنشغالك بأطفالك و زوجتك ؟

أنا : لا أنا لم أتزوج حتى الان ولكن اصبحت طبيعتى هى الوحدة . أحب أن أكون وحيداً بلا   صديق . أعيش الماضى دائماً .. لم تعد لدى القدرة على أن أعيش الحاضر. لازلت أحتفظ بأوراق دروس اللغة العربية التى كنت تكتبها فأشعار شوقى وحافظ إبراهيم لازالت عندى مكتوبة بخطك الجميل . تستطيع أن تقول أن أجمل لحظات حياتى أصبحت أقضيها مع تلك الذكريات ... أو إن شئت قلت أن أفضل لحظات حياتى أقضيها فى وحدتى مع نفسى أعيش فى حى شعبى مزدحم بالسكان والضوضاء ولكنى لا أعرف أحد من الجيران ولى أصدقاء كثيرين تعرفت عليهم خلال فترة حياتى ولكنى لا أقابلهم و لا أتصل بهم هاتفياً وفى العمل ادخل إلى غرفتى حتى يحين وقت الانصراف وكل الكلام عبارة عن أفعل كذا ولا تفعل كذا كلها تكليفات و تدور إجاباتى بين حاضر ونعم .. أما الاقارب فإن الدنيا شغلت كلاً منهم بنسبة كبيرة فلم نعد نلتقى إلا فى الافراح أو فى العزاء .. تكاد الدنيا أحياناً أن تقسم لى أننى سأظل هكذا بلا رفيق .. متعتى فى الوحدة ليس إلا . حتى وجدت عنوانك فأصبحت جزء من الحاضر .

هو : ولكننى جزء من الماضى .

أنا : أنت الماضى الذى أمتد إلى الحاضر .

هو : لازلت شاباً وتتحدث عن الماضى وكأنك بلا حاضر .

أنا : هذا صحيح .

هو : أعذرنى .. لماذا تتعجل شيخوختك ؟

أنا : أنا لا أتعجل شىء . كنت طبيعياً جداً حتى وفاة والدى ووالدتى ولم يبقى لى من الدنيا إلا أخى الصغير فوجدته يرغب فى الهجرة فهاجر وظللنا نتبادل الخطابات فيما بيننا لمدة عام واحد ثم إنقطعت ولم أعد أعرف أى شىء عنه. كان بالنسبة لى أخى وصديقى ومؤنس وحدتى تعلقت به فقد كان يصغرنى بسبع سنوات ولكنه سافر وتركنى فتولد داخلى إحساس إننى لا أريد أن أتعلق بشخص و لا أن يتعلق بى شخص . الفراق صعب . وفضلت أن أعيش الماضى لأنه جميل . فرافقنى الماضى ولم يتركنى فتعلقت به .

هو : تبدو حياتك مثل القصص .. عذراً سأطلب من إبنتى إعداد الشاى فأنا لست بخيلاً .

لم يحدثنا من قبل أن له إبنه أو حتى إنه متزوج .. كنا دائماً نجىء إلى هنا فلم نسمع فى مرة من المرات بكاء طفلة أو صوت إمرأة ولم يتعلل مرة بظروفه العائلية .. بالتأكيد تزوج بعد إن انقطعت علاقتنا به .. عاد بعد قليل ويبدو إنه قرأ ما يدور فى عقلى من أسئلة .

هو : أعلم ما يدور فى عقلك جيداً .. ولكننى كنت متزوج ثم إنفصلت عن زوجتى وكانت إبنتى تعيش مع أمها .. لم يكن المجتمع فى الماضى يتقبل فكرة الطلاق وكنت متردداً فى الاقدام عليها وتنفيذها ولكن تلك هى الاقدار .. ننفصل ويظل الاحترام المتبادل بيننا أفضل بكثير من حياة بلا معنى . إن لم يجد كلاً منا ما ينقصه فى الاخر فستبدو حياتنا مثل فصل الخريف محيرة لا دفء فيها ولا حرارة . تتساقط اوراق الاشجار فى فصل الخريف فلا تكون مأوى للطير ولا ظل لها نستظل به بل هى مجرد فروع تنتظر الحياة . كنت القى بنفسى فى مشاغلى إلى أبعد الحدود ولم أتحدث عن حياتى الشخصية مع أى أحد . كانت أعراف المجتمع تنظر إلى على أننى شخص غير مهذب أو فاشل وقد ينظر إلى البعض إننى منحرف .. لك أن تتخيل كيف كانت نظرة المجتمع لزوجتى وإبنتى ايضاً .. أعلم انهما تحملا معاً سخافات كثيرة .. سخافات الجهل وسخافات أعراف عشنا عليها سنوات طويلة تقاليد بالية .. كنت أقول دائماً الطلاق أبغض الحلال ولكنه حلال .. أما الان فحالات الطلاق أصبحت كثيرة وبدأ المجتمع يتقبل الفكرة ولكن للأسف لازالت النظرة لم تتغير كثيراً وهذا ما يجعل بيوت كثيرة تحمل داخلها مشاكل مثل البراكين الخامدة . إن نسب الطلاق التى أقرأ عنها  فى الصحف اليومية مخيفة جداً وتعكس مدى تفكك المجتمع ويمكنك أن تضيف بيوتاً أخرى يستكمل فيها الطرفان حياتهما نظراً لوجود أطفال أو لعدم وجود دخل للمرأة مثلاً وانها مضطرة للأستمرار فى الحياة مع شخص لا تطيقه أو رجلاً لا مسكن له إلا هذا المسكن . هم أشخاص يعيشون معاً ولكن بصورة منفصلة والجميع يهرب من المواجهه .

 كانت إبنتى فى هذا الوقت فى الخامسة من عمرها ولم تشأ والدتها أن تكرر تجربة الزواج ولم أشأ أنا ايضاً ربما كان لدينا أمل أن الزمان سيجمعنا مرة أخرى .. وقد حدث بالفعل منذ عامين ولكن القدر لم يعوضنا ما فاتنا من العمر فماتت هى منذ ستة أشهر وبقيت إبنتى معى ترعانى .

*******

كنت أنظر اليه وهو يتابع حديثه .. كان يتذكرها .. إنه لازال يحبها . كل شىء يقر بهذا .. نظرة عيناه .. نبرة صوته .. ابتسامته الهادئة .. كان يغمض عيناه وكأنه يتذكرها ثم يفتحها مرة أخرى وتظهر على وجهه بشاشة وكأنه التقى بها .

طرق خفيف على باب الغرفة .. فسمح لها بالدخول . هى إبنته ..قدمنى لها فمددت يدى أسلم عليها وكأن شعورا غريباً إمتد إلى .. هدوء نفسى .. دفء .. راحة .. حنين إلى الحاضر .. تعلقت عينى بعينها فهربت منى فى خجل .. كان فى يدى رعشة خفيفة ولكنها كافية أن تشعر بأن شيئاً ما فى خاطرى .. كانت لحظة قصيرة جداً ولكنها كانت مثل الفصلة فى اللغة العربية قسمت حياتى إلى جزئين ماضى و حاضر أو ماضى و رغبة فى الحاضر . كنت غائباً حتى أشرقت شمسها بحياتى فكان أول شعور لى بأن الحياة قد بدأت الان ... شهادة ميلادى لم يعد لها قيمة فهى تذكرنى بما مضى من العمر فى ذكريات قديمة ... تلك اللحظة هى بداية الحياة بالنسبة لى .

 

اصبحت أشك فى قانون الجاذبية الارضية .. أنا أسير على الارض كما يسير رواد الفضاء على القمر .. بل أنا على القمر فعلاً .. أدركت بها الحياة وادركت اللحظة وأدركت الحاضر .. أدركت كل شىء حولى حينما جلست أمام تلك العلبة الخشبية التى تحتوى على ذكرياتى ولم أفتحها بل إننى لم المسها . أنا فقط أستعيد لحظة سلامى ولازالت لمسة يدها لها أثر فى قلبى ولازالت تلك النظرة الخاطفة فى خيالى أنام بها وأسير بها وأعمل بها . أصبحت فى كل مكان . أشعر بشىء جديد .. شعور جديد لم أعشه من قبل .... شعور يجعلك فرحان مبتسم راض نشيط . كل هذا .. عندما كنت أقرأ عن الحب كنت أعتبره شيئاً ثانوياً أما الان فالأمر يحتاج إلى إعادة نظر فى هذا التعريف . هو حياة وهى تلك الحياة.

******

وكان اللقاء الاول مع الاستاذ مجدى زهران هو بداية الحياة لى لأنه كان بمثابة إشارة المرور الصفراء عندما ارها أستعد وبالفعل إنطلقت إليه وأصبحت أزوره فى منزله وأعيد بكلامه النبض الى حياتى . كان هو العنصر المحفز على الحياة وكنت أنا ذلك العنصر الخامل الذى ينتظر من يبعث فيه القدرة على الأحساس . كنت فى كل مرة أزروه وأحتسى معه كوباً من الشاى كنت أكتفى بنظرة أخرى من عينيها وشيئاً فشيئاً أصبحت تشترك معنا فى الحوار والمناقشات . هى جميلة .. مثقفة .. لبقة .. خجولة .. إذا تحدثت فرضت على أن أسمعها برقة كلامها وقوة منطقها وإذا صمتت كان صمتها تأمل وتفكير .. كنا نحن الثلاثة نتحدث فى كل شىء فى الحياة .. أصبحت الزيارة مثل الصالون الثقافى لأى أديب . كان قلبى وعقلى يتنافسان ايهما يحبها أكثر من الاخر .

نسيت لقاء الطبيب الاسبوعى يوم الاربعاء ولم أتصل به فلم أجد لديه الراحة التى كنت اجدها مع هذة الاسرة الصغيرة ورغبة منى فى أن أنسى موعد الطبيب فقد جعلت زيارتى للأستاذ مجدى كل يوم اربعاء .. لم تلغ الحكومة هذا اليوم والحمد لله أنها لم تلغيه .

اليوم وفى شرفة منزلنا اتصفح جريدتى اليومية المفضلة وهى تجلس أمامى تداعب طفلنا ذات الخمسة أعوام .. هو يبتسم فتبتسم الدنيا .. هى تتحدث فأنصت الى نسيم صوتها .. اليوم أشعر إن كل الذكريات انتهت ولم تعد إلا مجرد أوراق .. فقط أوراق صغيرة ليس إلا .. أوراق صغيرة لها ذكرى جميلة لدى نفسى هى فقط تجاربى التى عشتها وتعلمت منها كيف أعيش الحاضر وأنظر إلى مستقبل أسرتى الجديدة . رصيد الذكريات يزيد بالعلبة الخشبية ولكن بطعم مختلف هى الان ذكريات أسرية.  

 

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 861 مشاهدة
نشرت فى 5 يناير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,543,448

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟