كتبت_ بسمة توفيق

بكل  ذعر الدنيا  انحني (ايهاب)  فوق (شيرويت) وأخذ يهتف  باسمها الذي تداخل مع صوت الموسيقى و آهات بكائه المتقطع فقد بدا طفلاً ينادي أمه بضعف هائل فلا هي تقوى على الرد ولا هو يقوى على الاستيعاب  واشتد نحيبه وهو يضم رأسها إليه وبعد دقائق لم يعرف لها عدداً فتحت عينيها ببطء وقالت في خفوت : أنا حامل ....وأحبك  ثم غفت من جديد وكأنها هوت على رأسه بألف مطرقة قام يترنح ويجري على غير هدى في أنحاء البيت فرفع سماعة الهاتف مقطوع الحرارة ثم تركها تتدلى بسلكها عبر المنضدة ثم دخل إلى غرفة النوم يبحث عن شئ ما وفتش في جيبه عن الهاتف المحمول فلم يجده و عاد إليها صارخاً : شيرويت ...حبيبتي .... شيرويت انهضي ..وانهار باكياً وهو يقول : انهضي لتقولي لي ما يجب أن أفعل  وبعد برهة كان يحملها راكضاً نحو الشارع  ومع كل درجة من درجات السلم كان يتجسد أمام عينيه مشهدٌ من حياتهما معاً ؛ أول لقاء في الأوبرا ، أول صدفة في وسط البلد ، أول دعوة وجهتها له ليحضر حفلاً تعزف فيه ، أول موعد  ؛ كانت الأولى في قلبه وإن لم تكن الأولى في حياته فهو رجل له ماضي وهذه كلمة فضفاضة ومقبولة في مجتمعنا رجل له ماضي لا بأس ولا عيب فهو رجل لن يضره شئ وكيف لا ؟ ونحن  في بلاد تختزل الشرف في أجساد النساء ، و لكن ما قيمة الجسد بلا روح بلا كلمة بلا أنفاس تتردد وعيون تضيئها الحياة ، أجيبيني شيرويت أرجوكِ قولي أي كلمة ، ناديني ولو مرة واحدة  ولن أخذلك أبداً ..

⃰  ⃰  ⃰

مرآة السيارة تظهرها أمامه نائمة وهو خلف عجلة القيادة يود لو يطير حتى ينقذها  بينما ينهمر المطر انهماراً وتسير حركة المرور كالسلحفاة وهو مبهور الأنفاس دامع العينين ومع إصابة حركة المرور بالشلل التام وارتفاع أبواق السيارات بدأ (ايهاب) يتحدث وكأنه وحده معها بلا زحام وبلا ضوضاء وبلا قيود ، ضغط على زر تشغيل موسيقى ميس الريم - أول ماعزفت أمامه- وترك لنفسه العنان وانطلق يبكي ويحكي .......

"أتذكرين عندما قلتي أنكِ أحياناً تخافينني ، كنتِ محقة فأنا بالفعل مخيف .. مخيف حتى لنفسي ، منذ زمن بعيد كنت هناك في قريتي .. كنت طفلاً منطوياً وصبياً منطوياً يتيماً لا يعرف معنى للأمومة فلا أم لي ولا أخت بل مجتمع من الرجال ..الرجال فقط وعندما عرفت المرأة للمرة الأولى كانت زوجة أبي ولم يطل عهدي بها فقد توفي  بعد زواجه منها بقليل وجُرِدْتُ أنا بسببها من كل شئ البيت والأرض بل والثقة في كل النساء فقد كانت حية رقطاء تجيد التمثيل إلى حد استطاعت معه سلب أملاكنا جميعها ، ومنذها انتقلت من شغف العيش إلى شظفه  وقررت الانتقام منها في كل انسانة أراها ، عزمت على  انتقام ناعم بأن أنجح وأكبر أتعلم وأصنع نفسي بنفسي  و أتعلم كل شئ حتى الظفر بقلوب بنات حواء فقط لألوكها ثم ألفظها لفظ النواة ومرت السنون ونجحتُ ونجحَتْ لعبتي وكبرت خبرتي في العمل بعد أن امتهنت كل مهنة تخطر ببالك وأجدت الحديث بلغات الكلام والجسد وفي رحلتي المضنية تعلمت ايضاً أن لكل امرأة مفتاح فالعاقلة الذكية يلزمها قليل من الحنكة وتصنع الوقار والالتزام والثقافة والتافهة حسبها المظهر اللائق والكلام المعسول حتى تخر صريعة أما المهذبة فتتطلب شاباً خجولاً وأسهلهن كانت صائدة الرجال فهي مثلي لغتها كلغتي ولا حاجة لي بالأقنعة معها  وهكذا عشت ذئباً زير نساء ولم تروِ لعبتي هذه ظمأي للانتقام فحروف القصة القديمة وصورة زوجة أبي محفورة على جدار ذاكرتي لم يزدها الزمن إلا ثباتاً وعلا مركزي و كثرت أموالي وزادت معها خطورة لعبتي فأخذ الانحراف بي مسلكاً آخر أو مسالك أخرى -لا شأن لبراءتك وطهرك بها- وعرفت مزيداً من النساء حتى صرت مدمن للعبة ، كل يوم أحرق قلباً جديداً ، وكل ليلة أغرق في عبث جديد ، وكلما مر الزمن أزداد يقيناً بأنه لا  توجد في العالم  مَن تستحق الاقتراب من كياني الذي صنعته بالكد والعرق والدموع ، حتى التقيتكِ !                                                                                        (يُتْبَع)

 

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1048 مشاهدة
نشرت فى 15 ديسمبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,528,531

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟