كتب_ عادل نبهان
تشهد الساحة الدولية العديد من المتغيرات فى النظام العالمي نتيجة الكثير من السياسات الخاطئة للقطب الأكبر وهى الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد بدأت تلك الأحداث تأخذ شكلها الجدي منذ ولاية أوباما الثانية، وبدأت تتدرج فى منحنى الصعود ابتداءاً بالأزمة السورية التي أعلن أوباما شخصياً أنه يعتزم توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد ثم تراجع عن ذلك ، مروراً بأزمة التجسس الأمريكية على الكثير من الدول الأوروبية وغيرها فى منطقة الشرق الأوسط بل وعلى المواطنيين الأمريكيين ذاتهم وانتهاءاً بالنهوض الروسى فى مواجهة النفوذ الأمريكى فى المنطقة العربية.
فابتداءاً بالأزمة السورية نجد أن طبيعة التعامل الحذر من قبل الولايات المتحدة معها منذ البداية وخاصة فى دعمها للمعارضة ورفضها التسليح المباشر خوفاً من وصول السلاح إلى الجماعات ذات الميول المتطرفة المتواجدة فى الحرب ضد نظام الأسد ، وعقب المذبحة التى حدثت نتيجة استعمال الأسلحة الكيماوية فى عملية القصف على الأحياء السورية خرج أوباما ليعلن نيته توجيه الضربة العسكرية لكن بشروط أهمها موافقة الكونجرس ، مما يعكس بعدين مهمين الأول وهو داخلى يتعلق بعملية المؤسسية داخل النظام الأمريكى وعدم حصول الرئيس على الموافقة البرلمانية فى قراره والثانى وهو خارجى يتعلق بعملية الحذر من رد فعل الدب الروسى الذى أكد مراراً وتكراراَ وقوفه بجانب الاسد وضرورة الحل السلمى للقضية ، ثم انتهينا للصفقة التى نجحت بها روسيا عقب مؤتمر بطرسبرج والذى وجد فيه أوباما نفسه وحيداً فى قراره بعد تخلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا عنه فى توجيه الضربة ودخلت الصفقة الخاصة بتسليم الأسلحة الكيماوية حيز التنفيذ مما أعطى إشارة جديدة للدور الروسى المتنامى فى السياسة الدولية.
كذلك فى الحالة المصرية كان فى دفع روسيا فى التأكيد مراراًوتكراراً على أهمية الدور المصرى والتصريحات المتزايدة حول الحوار من خلال طائلة المفاوضات بين كافة الأطراف المصرية وعدم التعرض لتكييف الوضع القائم عقب الإطاحة بمحمد مرسى فى يوليو المنصرم ، وجاءت زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين لمصر كعلامة كبيرة فى التحول نحو تطوير العلاقات مع الدب الروسى فى ظل التغيرات النسبية فى العلاقات المصرية الأمريكية نتيجة الانقلاب الحاصل فى مصر الآن واستمرار النظام القمعى البوليسى فى تأدية وظيفته الغير عاقلة تجاه كل من يعترض على تصرفاته وسياساته ، والموقف الأمريكى المترنح بين وصفه بالانقلاب وعدم الاعتراف به مروراً بزيارة كيرى وتصريحات البيت الأبيض حول دور الجيش والتأكيد على الحل السلمى للخلافات الداخلية وصولاً للتصريحات الأخيرة من قبل جون كيرى والتى تتهم الاخوان المسلمين بسرقة ثورة يناير والاعتراف الضمنى بالوضع الحالى والترتيبات الجديدة؟
كذلك جاءت أزمة الأمريكى سنودن الذى قام بتسريب العديد من المعلومات التى تفضح التجسس الأمريكى على الكثير من مواطنيها والآلاف من مواطنى العديد من دول العالم بل وصل الأمر إلى التنصت على الهاتف الخاص بالمستشارة الأمريكية أنجيلا ميركل ، وقد كانت لهذة الأزمة 3 أبعاد أساسية فالأول يتعلق بعلاقة أمريكا بالدب الروسى والتى لم تستطع أن تمنع منح اللجوء لسنودن كما فعلت وطلبت من صديقاتها فى أوروبا مما يثير الشكوك حول متانة وقطبية تلك العلاقات آخذاً فى الاعتبار أنه فى فترة أوباما الأولى شهدت تقارباً خاصة بشأن معاهدة تسليم الأسلحة النووية ولكن مؤخراً نتيجة التنامى الروسى وعوامل أخرى كثيرة لم تستطع تلك العلاقات أن تمنع سنودن من الحصول على اللجوء داخل الأراضى الروسية ، أما البعد الثانى يتمثل فى الخرق الأمريكى الواضح للكثير من مبادئ الحرية الخاصة بمواطنيها خاصة بعد المعلومات التى تسربت بخصوص هذا الشأن مما طرح الكثير من الجدالات حول الدور والصلاحيات التى حصلت عليها هيئات الأمن القومى داخل الولايات المتحدة عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر الشهيرة وانتهاك الحريات الشخصية للمواطنين الأمريكيين على نحو متزايد مما شكل جبهة ضغط داخلية أخرى على الحكومة الأمريكية ، ويتمثل البعد الثالث فى انتهاك الولايات المتحدة لخصوصيات الدول الصديقة مثل فرنسا التى احتجت واستدعت سفير الأولى لديها فى خطوة تصعيدية لم تعهدها العلاقات بين الدوليتين فى الأونة الأخيرة ، كذلك الكثير من مواطنى الاتحاد الأوروبى وقياداته داخل بروكسل كذلك الخطوة الأجرأ فى التنصت على هاتف المستشارة الألمانية ميركل وهو ماكان له من الوقع والتأثير على داخل الحكومة الأمريكية خاصة بعد استفسار ميركل عن حقيقة تلك المعلومات ، وبالتالى شكل غصة جديدة فى علاقات أمريكا بحلفائها الأوروبيين وكان ذلك إضافة لسلوكهم فى مؤتمر بطرسبرج وأزمة سوريا والوضع فى مصر وغيرها.
ولنا مثال آخر فى الملف الإيرانى خاصة بعد قدوم الرئيس الإصلاحى روحانى والذى عقد صفقة جديدة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعيداً عن مفاوضات الدول الكبرى بعد أن فشلت مفاوضات جنيف بشأن برنامجها النووى والعودة من جديد للتأكيد من قبل الولايات المتحدة على استمرار وجود الخيار العسكرى مما يكشف جلياً أن الوضع الأمريكى فى التأثير أضحى يتآكل نسبياً عما كان عليه ذلك الوضع ذى قبل.
وبالنظر إلى المارد الأصفر الذى يتصاعد ويتزايد دوره يوماً بعد آخر وهو الصين ، ذلك الاقتصاد العملاق الذى يعد مرشحاً لأن يكون فى الترتيب الأول بحلول عام 2020 ، بالإضافة لتجمع البريكس الذى يضم الاقتصاديات النامية مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والذى يعد مناهضاً ومنافساً بشكل أو بآخر للهيمنة الأمريكية على أشكال التعاملات الاقتصادية حول العالم .
كل هذا مع تخبط الإدارة الامريكية فى قراراتها وسياستها الخارجية ، يعطى إشارات حقيقية نحو الدخول فى مرحلة جديدة من شكل النظام العالمى ، تدخل فيها الدول الأوروبية نتيجة الأزمة الداخلية المتعلقة بالعثرات الاقتصادية والقيود التى تفرضها الوحدة بين الدول الأوروبية مرحلة جديدة من دورها العالمى فى ظل التراجع أو الترنح الأمريكى ، بالاضافة للدور الصينى والروسى المتناميين بشدة والتنامى فى الاقتصاد البرازيلى والتركى والجنوب أفريقى .. كل هذا يدفع بإشارات حول بداية النهاية للهيمنة الموحدة للقطب الأمريكى والاتجاه نحو نظام متعدد القطبية يتمتع فيه كل قطب بمزايا تختلف نوعياً وكمياً عن الآخر..
ساحة النقاش