كتب_ حسن ديلبيرو
نجح المنتخب البوسني في إنهاء حالة الانقسام _ ولو مؤقتاً _ التي يعيشها الشارع البوسني ووصل منتخب البلد المسلم الذي شهد حربا للتطهير العرقي للمسلمين لكأس العالم بالبرازيل العام القادم؛ وسادت البلاد حالة من الانقسام الكبير نظراً للاتهامات المتبادلة بين الأعراق المتعايشه في البوسنة بأن المنتخب يدعمه المسلمين فحسب من سكان البوسنة أما الصرب والكروات من سكان البلد نفسها فيدعمون منتخبي صربيا وكرواتيا على الرغم من أنهما لا يملكان حظوظ كبيرة في التأهل ولقد عبرت كلمات أيدين دجيكو قائد الفريق بعد التأهل عن ذلك، حين قال: " أريد أن أتوجه بالشكر إلى جميع المشجعين الذين سافروا إلى ليتوانيا في مباراتنا الأخيرة .. شكراً لجميع الذين يحتفلون في شتى بقاع العالم بهذا التأهل"، ولكن هل تستمر الجماهير في تشجيع منتخب البلد الذي تعيش فيه وتحظى بهويته أم أن كُل يغنى على ليلاه وتظل الانقسامات العنصرية تفصل بين الجميع وتقضى على المنتخب الواعد.
ولكن التساؤل هنا لماذا لم يكتب أحد عن الانجاز البوسني؟!.. لماذا لم تتناول الأقلام درس التنين البوسني؟!.. ويبدو أن هذا الفريق الواعد الذي تجاوز التوقعات سيظل يعاني من الاضطهاد والعنصرية طويلا ليس فقط في الغرب ولكن أيضا في منطقتنا العربية.
وجمهورية البوسنة والهرسك طالبت بالاستقلال عن يوغسلافيا عقب استقلال صربيا وكرواتيا وسلوفينيا، وهو الطلب الذي لاقى رفضا صربيا وكرواتيا التي كانت تطمع كلا منهما في ضم الإقليم البوسني لها.حدث ذلك لتندلع حرب تطهير عرقية شهدت الكثير من المذابح ضد سكان البوسنة، مروراً بمذبحة سربرنيتشا الشهيرة حتى تدخلت الأمم المتحدة وحلف الناتو بقوات حفظ السلام لإنهاء الأمر.
ومنذ عام 1995م الذي شهد نهاية الحرب وحتى 2013 م، نجحت دولة البوسنة والهرسك في تكوين منتخب قوي تمكن من الصعود إلى كأس العالم للمرة الأولى في تاريخ الدولة حديثة المنشأ، وكان المنتخب البوسني قد قاب قوسين أو أدنى من التأهل لكاس العالم 2010 لكنه فشل في ذلك ووصل للملحق وخسر من البرتغال 1-0 ذهاباً وإيابا.
ولكن.. هل أصبحت أخيراً كرة القدم عادلة؟؟!!
وصول البوسنة والهرسك إلى مونديال البرازيل حقق عدلاً قلما يتحقق بالنسبة لمتابعي كرة القدم الذين اعتادوا على تواجد نجوم من العيار الثقيل في منافسة بحجم كأس العالم لكرة القدم لكونهم فقط لأنهم ينتمون لمنتخبات الصف الأول كما كان يحدث مع ميسي ورونالدو وبيرلو ونيمار ورونى وابراهيموفيتش وغيرهم ، ولكن لم يعتادوا على لاعبين من زمرة دجيكو ولوليتش وبيانيتش وما تبقى من كتيبة المنتخب البوسني الملقب ب " التنين".
وقد حقق المنتخب البوسني لكرة القدم حلم كأس العالم هذا بعد فوزه الصعب 1/صفر على مضيفه الليتواني في الجولة الأخيرة من مباريات المجموعة السابعة بالتصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم بالبرازيل، حيث رفع المنتخب البوسني رصيده إلى 25 نقطة ليحافظ على الصدارة مع ختام التصفيات بفارق الأهداف فقط أمام نظيره اليوناني الذي حل ثانياً، وبذلك أصبح المنتخب البوسني سابع المتأهلين من القارة الأوروبية للنهائيات بعد كل من هولندا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا وألمانيا وروسيا كما أصبح الفريق السادس عشر الذي يضمن مقعدا في النهائيات من مختلف القارات.
ولكن أضواء الإعلام العربية لم تسلط أضوائها على هذا المنتخب الذي قلما تجد مشجع ومتابع عربي يعرف أكثر من أسم أو أسمين كتيبة محاربي المنتخب البوسني والتي ضمت التشكيلة الأساسية لها كلاً من (الحارس" أسمير بيجوفيك "، محمد بيسيك، أيرمين بكاكيستش، يوراليم بيانيتش، سيجاد ساليهوفيك، سيناد لوليتش، هاريس ميدونجانين، زفيزدان ميزموفيك، أيمير سباهيك، فيداد أبيسفيك، أيدين دجيكو)، أنها ببساطة كتيبة من المُغامرين المغمورين التي وصلت بالبوسنة والهرسك إلى غابات وأرض راقصي السامبا البرازيلية، وأشهر رموز المنتخب البوسني هم "أيدين دجيكو" لاعب المان سيتى وهداف الفريق فى التصفيات و "يوراليم بيانيتش" لاعب وسط فريق روما الإيطالى إضافة إلى المدرب الوطني "صافت سوسيتش" الذين نجحوا في مسح دموع الآم البوسنة والهرسك وجعلوا هذا الشعب الذي لا يتعدى الأربعة مليون نسمة وفقاً لإحصائيات عام 2012م يعيش فرحة عارمة لم يعشها منذ الانفصال في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم.
وأوطاننا العربية أصبحت في أشد الحاجة لمثل هذه الفرحة، من رأى دموع النجم " أيدين دجيكو" ومن شاهد الاحتفالات في شوارع سراييفو بعد التأهل سيعرف ماذا يعنى أن ترتدي زى بلدك وماذا يعنى الدفاع عن أحلام شعب جُل ما أراده هو رؤية علم جمهورية تقبع في جبال البلقان مرفوعاً في واحد من أكثر الأحداث مشاهدة حول العالم وهو كأس العالم من خلال مجموعة من اللاعبين أكثرهم من المغمورين ولكنهم يملكون الطموح ليكتبوا التاريخ لبلدهم الصغير مما يمكن هذا المنتخب من أن يكتب اسمه بين الكبار، هذا المنتخب إذاً ما كُتب له العبور من الدور الأول في كأس العالم القادم فأنه سوف يذهب بعيداً في كأس العالم، ولكن هذا المنتخب الذي لا يشجعه بعض مواطني بلده قد لا يكون كأس العالم القادم مجرد منافسة لكرة القدم ولكنها قد تكون أكبر من مجرد لعبة رياضية بل لعبة سياسية سيتحدى فيها المنتخب البوسني تهميش السياسة وعنصريتها وسيحارب من أجل إظهار صورة جيده لبلاده في هذا الحدث العالمي.
ساحة النقاش